بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الثلاثاء، 13 مارس 2012

الآثار العكسية المحتملة للعقوبات على إيران بقلم : بشير عبد الفتاح

basher_abdelfata7
 

الجزيرة
في إطار المساعي الدولية المتواصلة لتضييق الخناق على طهران عبر تغليظ العقوبات الأممية والأحادية المفروضة عليها توخيا لتبديد المخاطر المتعلقة ببرنامجها النووي المثير للجدل، سواء من خلال تغيير النظام الإيراني الحالي، أو حمله على التخلي عن سياساته الاستفزازية، جاءت الحزمة الجديدة والتصعيدية من العقوبات التي طالت قطاعات حيوية في إيران كالنفط، والبنك المركزي، والأمن والاستخبارات.
وهو الأمر الذى أثار جدلا واسعا ليس فقط بشأن قدرة تلك العقوبات على تحقيق مآربها المعلنة، وإنما أيضا حول ما يمكن أن تتمخض عنه من أضرار لا تقتصر آثارها على إيران ومحيطها الإقليمي فحسب وإنما تتسع لتطوق العالم أجمع.
خنق إيران
أما وقد طالت العقوبات الدولية قطاع النفط الإيراني بعد أن توافقت دول كثر على تطبيق قانون وقعه الرئيس الأميركي باراك أوباما لتشديد العقوبات على القطاع المالي الإيراني من خلال تجميد أرصدة أي مؤسسة مالية أجنبية تقوم بتبادل تجاري مع المصرف المركزي الإيراني في قطاع النفط، وذلك بهدف تقليل الإيرادات الإيرانية منه، توشك إيران أن تختنق اقتصاديا، كونها خامس أكبر مصدر للنفط بالعالم والثاني في منظمة "أوبك"، كما يسهم قطاع النفط وحده بنسبة 80% من إيراداتها من العملات الأجنبية، بما يعادل مائة مليار دولار سنويا.
وبالتوازي مع ذلك، بدأت طرق إيران للتحايل على العقوبات في الانسداد تدريجيا لاعتبارات عديدة أهمها: اضطراب البيئة الإقليمية المحيطة بها مؤخرا على خلفية الربيع العربي، إضافة إلى الإجراءات التي اتخذها المجتمع الدولي لتشديد العقوبات عليها وضمان تنفيذها بإحكام، وهو ما أدى إلى حرمان إيران من عوائد تصدير النفط وتجريدها من ميزتها الاقتصادية النسبية المتمثلة في إنتاج 2،5 مليون برميل من النفط يوميا.
فقد أفضت العقوبات الأخيرة إلى تقليص القوة التصديرية لإيران من زاويتين: أولاهما، تراجع الواردات النفطية اليومية لبعض المستهلكين الكبار، كالصين بواقع نصف المعدل أي من 550 برميل إلى 285 برميلا، علاوة على تراجع واردات اليابان من النفط الإيراني في يناير/كانون الثاني الماضي بمعدل 12% وكوريا الجنوبية بمعدل 5.2% في فبراير/شباط الماضي.
أما ثانيتهما، فتتمثل في تضاؤل فرص طهران تدريجيا في الاستفادة من إمكاناتها النفطية الهائلة، بسبب ضعف قدراتها الإنتاجية عموما والتكريرية منها على وجه الخصوص جراء حرمانها من التقنية الغربية المتطورة في هكذا مجالات، بالتوازي مع عزوف الشركات النفطية الغربية عن الاستثمار في صناعة النفط الإيرانية تجاوبا مع العقوبات الدولية المفروضة على طهران.
وبجريرة التدهور الاقتصادي الناجم عن هذا الوضع، والظاهرة ملامحه في تنامى أزمة الغذاء وتفاقم التدهور في المستوى الصحي، فضلا عن وصول معدل البطالة إلى 15%، والتضخم إلى 50%، بالترافق مع تدني الأجور، في وقت تزداد الفجوة بين الأغنياء والفقراء اتساعا، على نحو ينذر بتسارع وتيرة تآكل الطبقة الوسطى، تعالت أصوات شعبية معبرة عن استيائها من وضع كارثى.
وحملت هذه الأصوات مرشد الثورة ورئيس الدولة المسؤولية الكاملة عن انزلاق البلاد إليه، خصوصا مع تزايد الاتهامات لبعض عناصر النخبة الحاكمة بالسعي للاستفادة من العقوبات لتحقيق أرباح طائلة، سواء من خلال احتكار السلع الضرورية أو عبر رفع أسعار البضائع والاتجار في العملة الصعبة بالسوق السوداء، حتى أن نحو مائة نائب في البرلمان الإيراني المكون من 290 عضوا قدموا طلبا لاستدعاء نجاد للمثول أمام البرلمان لاستجوابه بشأن إدارته للملف الاقتصادي، في سابقة لم تشهدها إيران من قبل.
وفي ذات السياق، ظهرت مطالبات ملحة، قادها زعيم المعارضة مير حسين موسوي، بوقف المساعدات والهبات المالية، التي ظلت لعقود تشكل ركيزة مهمة لسياسة إيران الخارجية، وكانت تقدم إلى عدد من الجماعات الفلسطينية، لا سيما حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وكذا حزب الله في لبنان كما بعض الجماعات السياسية والدينية والمليشيات المسلحة في العراق كالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية.
أضرار عالمية
اقتضت طبيعة النظام العالمي الراهن أن تمتد التداعيات السلبية للعقوبات الدولية المفروضة على إيران لتطال جيرانها من العرب والأتراك فضلا عن الدول الغربية بل والاقتصاد العالمي برمته. وهو الأمر الذى يمكن تلمس معالمه فيما يلى:
- أمن الطاقة:
يبقى سقف تحركات المجتمع الدولي والقوى الكبرى للتمادي في تغليظ العقوبات وتمديدها على إيران محكوما باعتبارات شتى لعل أهمها ما قد تتمخض عنه من تأثيرات مقلقة على الاقتصاد العالمي . فبقدر ما توجه ضربات موجعة لإيران، شعبا ونظاما، تبقى العقوبات مصدر إرباك حقيقي للاقتصاد وأمن الطاقة العالميين.
فإلى جانب ترابط وتداخل اقتصادات دول العالم ببعضها البعض في ظل العولمة ، يمكن أن يسفر تقييد الصادرات الإيرانية من النفط والغاز عن ارتفاع أسعارهما عالميا، كما المنتجات التي تحتوي على مشتقات بترولية، نتيجةَ انخفاض إنتاج إيران منها أو امتناعها عن بيعها للدول التي أقرت العقوبات، كون إيران ثاني أكبر مصدر للغاز وثالث أكبر مصدر للنفط عالميا. وهو الأمر الذي سيفاقم الأعباء على كاهل الاقتصاد العالمي إذ يتزامن مع اندلاع أزمات اقتصادية طاحنة في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ومن جهة أخرى، لا تكف طهران عن تهديد أمن الطاقة العربي والعالمي من خلال التلويح بين الفينة والأخرى بالعمل على إرباك سوق النفط، إن عبر إغلاق مضيق هرمز أو من خلال إغراق ناقلات النفط العملاقة التي تعبره أو منع دول أوبك من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمي.
فقد أنذر وزير الخارجية الإيراني على أكبر صالحي الرياض من عواقب زيادة حصتها الإنتاجية اليومية من النفط بغية تعويض أي نقص في الإنتاج العالمي منه حالة تطبيق العقوبات الخاصة بالنفط الإيراني في يوليو/تموز المقبل، محذرا من ردود إيرانية وصفها بالغير ودية، لوحت لها طهران بإرسال قوارب وزوارق بحرية عسكرية بالقرب من المنشآت النفطية السعودية بالخليج العربي مؤخرا.
كذلك، يشكل الإمعان في عزل إيران تهديدا حيويا لأمن خطوط نقل الطاقة من القارة الآسيوية إلى أوروبا، فإلى جانب الدور المحوري الذى يلعبه مضيق هرمز في هذا الصدد عبر تحكمه في نقل أكثر من 40% من مصادر الطاقة العالمية و80% من النفط الإيراني، تظل إيران بحكم موقعها الجيوإستراتيجى، نقطة حيوية في غالبية مشاريع خطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز من دول حوض بحر قزوين والشرق الأوسط إلى أوروبا، خصوصا مع استمرار تعثر تحويل أية طروحات عربية أو عالمية بديلة في هذا المضمار إلى واقع عملي.
- احتمالات التصعيد:
ثمة مخاوف من أن يؤدى التوتر الغربي الإيراني في الخليج العربي، والذى يتوازى مع اشتداد وطأة العقوبات الدولية ضد إيران، التي يصر نظامها على مواصلة سياسة حافة الهاوية مع المجتمع الدولي، إلى ارتباك نظام ولاية الفقيه على نحو قد يضطره إلى اصطناع مغامرات أو افتعال أعمال تصعيدية غير محسوبة، أو الانزلاق إلى مواجهات بطريق الخطأ وسوء التقدير بمنطقة ترى طهران أن بعض دولها تساهم في تفعيل تلك العقوبات.
وتتعاظم الهواجس من هذا السيناريو في ظل غياب إجراءات حقيقية وملزمة ومتواصلة ومتبادلة لبناء الثقة بين إيران والعرب على المستويين السياسي والعسكري، في الوقت الذى لا تتورع ضفتا الخليج العربي عن تبادل التهديدات مؤخرا.
كذلك، لم تتوان طهران في استخدام دول الخليج العربية كورقة مساومة مع الغرب وأداة للضغط عليه، سواء عبر ابتزاز تلك الدول توطئة لحملها على إقناع الغرب بضرورة تغيير سياساته التصعيدية حيال طهران والتوقف عن فرض مزيد من العقوبات عليها، أو من خلال تهديد النظام الإيراني لدول مجلس التعاون بالانتقام منها إذا ما لجأ الغرب للخيار العسكري ضد طهران، مستعينا بدعم لوجيستى أو سياسي من لدن هذه الدول، وهى التهديدات التي تتزايد وتيرتها كلما تزايدت التهديدات واشتدت وطأة العقوبات على نظام ولاية الفقيه.
وفي حين عمدت طهران إلى تعزيز إستراتيجيتها الردعية من خلال القيام باختبارات لصواريخ جديدة، علاوة على إجراء سلسلة من المناورات العسكرية البحرية في مضيق هرمز، الذى عكفت على التهديد بإغلاقه حالة فرض مزيد من العقوبات الدولية أو الأحادية الجديدة عليها، يطوي تنامي تعقد الموقف في سوريا بين ثناياه احتمالات بإمكانية انجرار نظامي دمشق وطهران للتهديد بتفجير المنطقة وإشعالها إذا ما شعرا أنهما بصدد خسران جل ما بحوزتهما من أرصدة.
- ارتباك النظام الإيراني:
يمكن القول إن تشديد العقوبات على إيران إلى حد ربما لم تشهده دولة في عالمنا المعاصر قد أفرز تداعيات سلبية ملفتة على النخبة الإيرانية ونظام ولاية الفقيه، واللذين بديا أقل تماسكا وأكثر ارتباكا تحت وطأة تلك العقوبات المتفاقمة قياسا إلى ما اتسما به من تماسك إبان أزمات سابقة كالحرب العراقية الإيرانية.
فإلى جانب التصنيف التقليدي الشائع للقوى والتيارات السياسية الإيرانية ما بين تيار مهيمن ومتشدد يوصف بأنه محافظ وآخر مرن ومعتدل ينعت بالإصلاحي، يشهد التيار المحافظ منذ فترة صراعا بين جناحين رئيسيين داخله يتمثل أولهما في مرشد الثورة سيد على خامنئي والحوزة الدينية والحرس الثوري، بينما يتجلى الآخر في الرئيس نجاد وصهره مشائى اللذين يقودان ما اتفق الجناح الأول على تسميته "بالتيار المنحرف".
ولقد انعكس ذلك الصراع على سياسة إيران تجاه محيطيها الإقليمي والدولي. حيث يرى خبراء أن مواقف إيران وسياساتها غير الودية تجاه الدول العربية إنما هي نتاج طبيعي ومعتاد للأزمات الداخلية، ومحاولة من قبل نظام ولاية الفقيه لصرف أنظار الشعب الإيراني عن تلك الأزمات وحشده للالتفاف حول نظام يوشك أن يتهاوى في مواجهة الخارج.
وفي مسعى منه للتخفيف من وطأة ذلك الارتباك والانقسام داخل النظام الإيراني، تبنى مرشد الثورة إستراتيجية لترميم الجبهة الداخلية كيما تبقى صامدة في مواجهة التهديدات الخارجية، التي ازدادت وتيرتها بالتزامن مع الربيع العربي، الذى لا تبدو إيران بمأمن منه ،بعد أن فتح آفاقا أرحب أمام صعود النموذج التركي إقليميا على حساب نظيره الإيراني، حيث طالب بضرورة "حفظ النظام السياسي" وتوحيد الصفوف، وأبدى نيته إشراك التيار الإصلاحي "المعتدل" في الانتخابات الإيرانية المزمع إجراؤها الشهر المقبل بعد طول إقصاء.
- العقوبات الذكية:
شأنها شأن أكثر من عشرين حالة مشابهة شهدها العالم، لا تزال العقوبات الدولية على إيران عاجزة، حتى الآن على الأقل، عن بلوغ غاياتها، إن لجهة تنحية النظام القائم أو فيما يخص إرغامه على تغيير سياساته ووقف برنامج بلاده النووي.
فما برح هذا النظام صامدا يسعى لتنظيم صفوفه ويصر على المضي قدما في مشروعه النووي عبر إطلاق مشاريع نووية جديدة مهمة، بينما تتنامى التداعيات السلبية للعقوبات ليس على الشعب الإيراني فحسب، وإنما على العالم بأسره.
وههنا تبدو الحاجة ملحة لنظام عقوبات دولي جديد أكثر فعالية وأقل إضرارا بالشعب الإيراني كما دول الجوار والاقتصاد الدولي.
وفي هذا السياق، تطل برأسها فكرة "العقوبات الذكية"، التي ترمي إلى ممارسة المجتمع الدولي لضغوط بمستوى محسوب وفي اتجاهات ومجالات بعينها على نظام سياسي ما، ووفق أليات وأطر قانونية محددة، لإجبار ذلك النظام على التخلي عن سياسة عدائية ما وتبني مواقف هي إلى التعاون والتعايش السلمي المشترك مع جيرانه والعالم أقرب.
وربما سيكون بمقدور هذا النوع من العقوبات تحقيق أهدافه إذا ما لم يتحول إلى أداة لتعذيب الشعب، يوظفها النظام من جانبه للتحايل والالتفاف لترميم شرعيته المهترئة، وإذا لم يفض لانهيار الدولة بعد تصديع لحمتها الوطنية والنيل من سيادتها واستقرارها، كما لم يسفر عن إرباك الاقتصاد العالمي والإضرار بمصالح الدول المشاركة أو تهديد الأمن الدولي، وإثارة التوتر في المحيط الإقليمي للدولة محل العقاب بعد أن يجنح نظامها السياسي، تحت وطأة العقوبات القاسية والمتنامية، لتبني مواقف وسياسات رعناء تكسوها مستويات أعلى من التصعيد والاستفزاز لجيرانه وللعالم قاطبة، على كافة الصعد، إلى الحد الذى يشكل تهديدا صريحا ومباشرا للأمن والسلم الدوليين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق