بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الأحد، 11 مارس 2012

قـبـرٌ بلا عنوان ... ! بقلم : حميد عاشور

طباعةإرسال إلى صديق
PDFhameedr_ashoor



لقد تساحبت کل الغيوم السوداء وتجمعـّت مع بعضها البعض حتی حجبت السماء.
والناس، رجالاً ونساء بدئوا في الهرولة نحو منازلهم.إلاّ الأطفال إستمروا في لعبهم وصراخهم وعويلهم في الشوارع .
وفجأة تصاعد صياح الأطفال، حين ما إلتحق بهم بعض الصبيان وهم يتراکضون ويتصارخون بأعلی صوتهم : قـتلوها...قـتلوها... !
وکثرت الضجة حتی ملأت الأجواء. وتداخلت الأسئلة والأجوبة ...
ــ من هيّ ألتي قـُـتلت ... ؟
ــ حسنة، زوجت قاسم ...
ــ من ألذي قتلها... ؟
ــ اخوها وإبن عمها...مزّقوها بلسکاکين ...أنا رأيت الدم باُمَّ عينيّ ... إمتلئ الشارع بدمها، وهي تصرخ..."خويه إدخيلکم...والله کذب...والله ماعملت شيئ إيمـّس بکرامتکم... إرحموني..."ولکن نزلوا عليها بلسکاکين. بلا هوادة ولا رحمة...وهم يصيحون ويصرخون عليها "خل نمسح إلعار ...لازم تموتي.. موتي ..موتي ...
وکان من ضمن الجمهور، طالبا يدرس في الجامعة، فرع الفلسفة، وهو صديق الأخ الأکبر للضحية القتيلة.فحين ما سمع بذالک الخبر،اصاب رأسه الدوار. فخرجت منه دون انتباه کلمات لم يستطع أن يکتمها في فهمه "قـَتـَله...مجرمين... متخـلفين ...!!
دخل الطالب الی غرفته ورمی کل الکتب التي کانت في يده،علی الأرض غاضباً... "قــَتـَـله... مجرمين ... متخلفين ..."
في نفس الوقت،دخل عليه صديقه،وهو يرتجف ولکن بمظهر الإنسان المنتصر قائلا ً "قتلناها ... زلنا العار ...!"
ــ قتلتموها... ؟ زلتوا العار ...؟ يا مجرمين ...يا قتله... بأي عصرٍ تعيشون أنتم ...؟
ــ الناس... کلام الناس... إبتساماتهم...ضحکهم... معايرتهم وسخريتهم لنا...کان لابد لنا أن نزيح العار...الأعمام ارادوا هکذا وانا وافقتهم علی ان يزاح العار...
ــ هل سألتموها...؟ هل اعطيتموها فرصة کي تدافع عن نفسها...؟ لماذا...؟ هل تعيشون لکلام الناس وثرثرتهم ...؟ يا .. يا مجرمين ...؟
وبکی الطالب بصوت عال وحزين. وبکی معه صديقه ايضاً ...
وخرج الصديق من غرفة الطالب، وهو يمسح بدموعه. لکي لا يراه الناس يبکي ... !
ــــ ــــ ــــ
مضت ايام علی الحدث.والطالب ما زال يفکر بما جری. کان مخالفا للتدخين، فصار يد ّخن ! کان لا یحّب الخمر، وفي إحدی الليالي سکر وهرع الی الشارع وهو يصيح :
قتلة ... مجرمين ... متخلفّين ...
کان يحب الکتاب والدراسة، کرهها وکره الجامعة والمدرسين .
... بعد مضي بضعة ايام، دخلت عليه اُخت القتيلة وحين ما رأته في تلک الحال شفقت عليه وبکت علی مصابها وشعرت بحجم الحنان الذي في قلب صديق اخوها ...
قام لکي يُرحّب بها، فمنعته :
ــ خويه ... لا .. لا ..ضل قاعد .. انا جئت لک من طرف اخواتي واُمي ... جنازة اُختي ما زالت في المستشفی .. ولا واحد يتجرء و يسعی لتدفينها ... ونحن کنساء نخاف ان نتدخل .. نريد منک ان تتصرف ... اخونا يحترمک .. ويسمع لکلامک ... حاول ان تقنعه، حتی تدفن اختنا ... عيني خويه.. اقديلک فدوة ... وخرجت باکية مهضومة. وهمومها معها !
ـــــ ـــــ ــــ
بعد ذهاب المرأة المسکينة ثم بعد بضع ساعات خرج الطالب من المنزل وبإکراه الی المقهی لرؤية صديقه...، فجلس الی جانبه قائلاً:
ــ انا ارسلت لک اخي، لنلتقي هنا و لي منک طلب وهو ... أن تذهب معي الی المستشفی لکي توّقع علی ورقة السماح، لتدفين اختک التي قتلتموها جهرا ...
إصفر وجه الصديق وصار يرتجف، وکأن ضميره بدء في الحسبان. وهو يتمتم في الکلام :
ـــ أنا لا ذنب لي.الناس وکلام الناس ... والأعمام قرروا وخططوا واختاروا اخي الأصغر وإبن عمّي لمسح العار...وهم الآن في السجن...وحين ما نحصل علی رضی اُمّي واخواتي وزوجها، سيطلق سراحهم ... !
إمتلأ الطالب غضبا ولکن حاول ان يسيطر علی نفسه، إلا ان الکلمات الاخيرة التي خرجت من فهمه :
ــ والقوانين لصالحکم ..؟! ... بأيي عصر نعيش نحن...؟
ـــــ ـــــ ـــــ
تحت الغيوم، ألتي التحقت ببعضها وغطّت الشمس وزرقة السماء، وکأنها تريد ان تعلن حزنها لما يحدث فوق الکرة الأرضية، وفي مقبرة متروکة خارج المدينة. وُضع الجسد المهشم بسکاکين القدر في حفرة صغيرة .
" الوجه بإتجاه القبلة والارجل نحو قبلة الکفار ... "هذا ما ارادته اختها ... !
... وبعد إذ، واروا عليها التراب. وبدئوا يقرئون علی قبرها سورة الفاتحة .
المُغسّلة واُختها والطالب، ولا احداٍ غيرهم ... !
الطالب اخذ لوحة مرميـّة علی الأرض ليکتب عليها اسم القتيلة. والاخت رجته ان لا يکتب الإسم ! ... وهو في حيرته من طلب الاخت، کتب علی اللوحة (قبرٌ بلا عنون)
ومن ثـمّ وتـدّها علی القبر .
بدءت الغيوم ترتعد وتبرق وکأنها تريد ان تشقّ الارض وتنقلب علی رؤوس من يسکن عليها ومن ثم بکت دموعها امطاراً غزيرة، حزنا او قضبا !
وتذّکر الطالب قصة مأساة عيسی المسيح..ونزول الامطار بعد مماته او کما يقال عروجه...
ـــــ ـــــ ـــــ
توضيح ــ نشرت الحکاية لأوّل مرة في مجلة عيلام العدد الثاني
کانون الأول يناير 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق