بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الثلاثاء، 24 يناير 2012

رسالة الشيطان الأكبر إلى الولي الفقيه:

واشـنـطــــــن وطــهــــــران.. زواج كـــاثـوليــكــــــي

http://www.alwatannews.net/news.aspx?id=ELUCPPhJzS3CJb/+iONmsA==

 


 
بقلم - نزار السامرائي: ليس مهماً معرفة من أوصل رسالة الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما إلى مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي، كما إن مضمونها لا يبدو أنه شغل اهتمام المراقبين كثيراً، بقدر ما تعاملوا مع الشكل والإخراج السياسي لهذه اللفتة المدروسة بعناية داخل مراكز صنع القرار الأمريكي، ويبدو أن الإدارة الأمريكية وفي اللحظة التي طفت فيها على السطح فكرة توجيه رسالة إلى خامنئي من أوباما، عقدت العزم على الكشف عن توجيهها، وربما كان ذلك تزامن في لحظة فض المرشد الإيراني غلاف مظروفها، وإلا لكانت إيران تكتمت على الرسالة حتى النهاية وإلى أن يرفع الحظر عن الوثائق الأمريكية بعد ثلاثة عقود، فبناء الخطاب الديني السياسي البارز على واجهات الأبنية في شوارع إيران منذ عام 1979م، أقيم على ركيزة العداء المعلن مع الولايات المتحدة حتى في أنشط درجات التواصل الخفي بين الجانبين، والكشف عن هذا المستوى من الاتصالات مع الشيطان الأكبر، يمكن أن يجرح مصداقية ما تطرحه الثورة الإيرانية من شعارات للكسب السياسي، وتوظيف حالة العداء المعلن لأمريكا، في الوطن العربي والعالم الإسلامي للتغلغل في مجتمعات عانت كثيراً من الهيمنة الأمريكية سياسياً واقتصادياً، وأصبح البحث عن مخلص من الحقبة الأمريكية هاجساً مشتركاً لكثير من القوى الفقيرة إلى الرصيد الحقيقي شعبياً والباحثة عمن يتبناها حتى لو حصل ذلك مع مرابٍ كبير. تشديد العقوبات ولكن أهمية الرسالة تتأتى من محاور عدة، أولها تزامنها مع توقيع الرئيس الأمريكي لقرار جديد بتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران، ومع ارتفاع لهجة التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز بوجه الملاحة البحرية، فيما لو منعت من تصدير نفطها، وهذا يؤكد أن الطافي من العلاقات السياسية يتصادم مع الغاطس، وأن اعتماد الخطوط المتوازية في العمل الدبلوماسي يشكل العمود الفقري للدول الكبرى وكذلك التي تحاول التشبه بها. فإذا كانت إيران عادت إلى أساليب الابتزاز في تحويل اتجاهات المعركة مع دول المنطقة، لأنها عاجزة عن مواجهة الدول الكبرى، وتتصرف بهذه الدرجة من الطيش والانفعال المصحوب بغطرسة فارغة، فماذا علينا أن نتوقع منها فيما لو واجهت ظرفاً مماثلاً وكانت تمتلك ترسانة نووية مع صواريخ عابرة للحدود، وما هي طبيعة السلوك الإيراني مع دول منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي بصفة خاصة، لو تحقق طموحها المريض بامتلاك القنبلة الذرية، واستطاعت فرض إرادتها على الآخرين؟ قطعاً ستتصرف بتعالٍ وتحرك أدواتها المحلية لإرباك الوضع الأمني وخلق ظروف سياسية تعطيها مسوغ التدخل بعد أن تكون حشدت لذلك تغطيات إعلامية من جيوش تابعة لها، تضخم من حجمها لتبدو البلاد وكأنها في حالة فوضى واضطراب لا مخرج منهما. وثاني محاور أهمية رسالة أوباما، أن الرئيس الأمريكي سحب الاعتراف بوجود رئيس للجمهورية في إيران مكلف بموجب دستور بلاده بإدارة ملف العلاقات الخارجية وإدارة ملف الأزمات ذات الصلة بالخارج، وعدّ وجوده شكلياً لا يقدم ولا يؤخر، وثالثها أن استجابة علي خامنئي للرغبة الأمريكية في وضع محمود أحمدي نجاد ووزير خارجيته على الرف المهمل، كانت فوق توقعات الإدارة الأمريكية بما فيها وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية لا سيما وأن العلاقات بين الرجلين ليست في أحسن أحوالها، ويمكن ملاحظة ذلك من الطريقة الاحتفالية التي استقبلت فيها رسالة أوباما، والتعامل الحذر من جانب كبار المسؤولين الإيرانيين مع ما جاء فيها أو كيفية التعامل معها، وتعهدهم بالرد عليها بصفة تعكس رغبة دولة الولي الفقيه في عقد الصلح مع الشيطان الأكبر، فإيران إذا كانت لا تسمع قرع طبول الحرب حولها، فليس معنى ذلك أن هذه الطبول لا تقرع بقوة وبصوت عال، وإنما تعكس حاجة إيران لمراجعة طبيب متخصص بأمراض الأذن ليس إلا. حامل رسالة أوباما ومع ذلك كله فإن التساؤل عن شخصية حامل رسالة أوباما إلى خامنئي، لم يخرج من حلبة النقاش بصفة نهائية، وبعض المراقبين ذكروا اسم أحمد داود أوغلو وزير خارجية تركيا، ولكن مصادر من الدوائر القريبة من جلال الطالباني، لم تشأ نزع هذا الشرف عن الرئيس العراقي ورئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يحتفظ بعلاقات قديمة ومتينة جداً مع طهران، غير إن الزيارة الخاطفة التي قام بها أوغلو لطهران، ثم زيارة وزير الخارجية الإيراني لأنقرة وما رافقهما من تصريحات، تنبئ بأن تركيا هي من لعب هذا الدور، حتى أن طهران نسيت تهديداتها السابقة لتركيا باستهداف منظومة الدرع الصاروخية التي أقامتها الولايات المتحدة فوق الأراضي التركية، في محاولة استباقية من طهران لردع تركيا عن المضي قدماً في خطتها هذه، ولأن تركيا تمتلك خبرة طويلة بالطباع الإيرانية المناورة والمراوغة، تمتد إلى أيام الصراع بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية، فإنها تجاهلت تماماً التهديدات الإيرانية، وعدّتها مجرد تأوهاتٍ من لسعةٍ مباغتة أو استغاثة محتضر، وهكذا تكون زيارة صالحي وزير خارجية إيران اعتذاراً ضمنياً عما وجهته طهران إلى أنقرة من ملاحظات أو اتهامات مع اشتداد أزمة الدرع الصاروخية، حتى عادت إلى الواجهة السياسية صورة الدور التركي المقبول كوسيط بين المجتمع الدولي من جهة، وإيران من جهة أخرى بشأن برنامج الأخيرة النووي، ولكن هذه المرة بعد أن تلقت تحذيرات أمريكية جدية فيما لو مضت إيران قدماً في برنامجها النووي، وفيما لو حاولت إخضاع العالم لإرادتها بلغة الابتزاز بتهديد الملاحة البحرية في مضيق هرمز، وهكذا تعطي إيران الدليل على أنها دولة لا تستجيب لمحاولات الترغيب مهما علا ثمنها، وأنها لا تفهم غير القوة لغة في تعاملها مع شعبها وعلى مستوى العلاقات الدولية والثنائية. فهل تغيرت تركيا إلى الحد الذي جعلها وسيطاً مقبولاً، بعد أسابيع عدة من التوتر العالي المستوى الذي طبع علاقات طهران وأنقرة؟ ولماذا لا ينطلق قطار الموقف العربي، وخاصة في الاستجابة إلى دعوة المملكة العربية السعودية في تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى صيغة أكثر تماسكاً وقدرة على انتزاع احترام الأطراف الأخرى، التي تتباين مقاييس تقييمها لمكانة الدول، كي يصبح مجلس الاتحاد الخليجي قوة تفرض حضورها على الساحتين الإقليمية والدولية. ينظر العالم إلى المساحة الجغرافية كمعيار لمكانة الدول، وآخر ينظر إلى عدد السكان، وثالث إلى حجم القوة العسكرية ومدى تطورها ومن مصادر محلية مع إطلالة بحرية كافية، ورابع يعدّ وفرة الثروات الطبيعية من مياه وأراض زراعية ومعادن مختلفة كالنفط والاقتصاد المتنوع والتطور التكنولوجي، هو المعيار الوحيد للحكم على مكانة الدول بين الأمم، يمكن أن يكون أياً من هذه العناصر سبباً كافياً لإعطاء شهادات الجدارة، ولكنها إن التقت مع بعضها واجتمعت كلاً أو جزءاً في بلد واحد، فلا شك أنه سيحظى بوضع خاص في العلاقات الدولية، وربما نجد عوامل الصعود التركي تكمن هنا، والذي لم يكن مفاجئاً لمن خطط له، ولكنه كان مفاجأة لمن راقبه عن بعد وخاصة لمن كان زار تركيا قبل صعودها الاقتصادي. دور تركي جديد أذكر أنني كنت ضمن الوفد العراقي الرسمي برئاسة المرحوم طه ياسين رمضان حينما كان يشغل منصب النائب الأول لرئيس الوزراء، والذي زار تركيا في 9 أغسطس عام 1981م، بدعوة رسمية من رئيس الوزراء التركي حينذاك بولند أولصوي، والذي كان في وقت سابق وقبل انقلاب الجنرال كنعان أفرين، قائداً للقوات البحرية التركية، وبعد تنفيذ انقلاب أفرين مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي، جاء به رئيساً للحكومة العسكرية التي فاقمت من سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية، بدلاً من حلها كما كان الإنقلابيون يطرحون في بياناتهم عند إزاحة الحكومات المدنية، كانت اجتماعات الوفد في أنقرة، ولكن الحكومة التركية أرادت الاحتفاء بالوفد العراقي وربما بالغت في ذلك فرئيس الوفد العراقي لم يكن رئيساً للحكومة، ولكنها وفي رسالة سياسية ذات مغزى للجانب الإيراني، أرادت أن تقول: “إن أنقرة لا تشاطر طهران وجهات نظرها بشأن الحرب التي كانت في ذلك الوقت تقترب من نهاية عامها الأول”، وخاصة ما يتعلق منها بشعار تصدير الثورة، وكذلك أغلق الخميني أذنيه عن جميع دعوات السلام الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، أو تلك التي أطلقتها منظمة المؤتمر الإسلامي، أو لجنة الحكماء التي رأسها الرئيس الغيني أحمد سيكوتوري، أو تلك التي صدرت من عقلاء إيران على قلتهم والذين رأوا في توجهات الخميني، انتحاراً إرادياً لبلادهم والمنطقة، ولهذا أعدت الحكومة التركية للوفد زيارة خاصة إلى إسطنبول ونظمت جولة بحرية معبرة في البسفور، انطلاقاً من مقر قيادة القوات البحرية، أتيحت لنا رؤية جانبي المضيق وكأن مضيفينا الأتراك أرادوا توجيه رسالة عن عبقرية خطة عبور البسفور وفتح القسطنطينة، ومع ذلك فإن تركيا العثمانية التي عبرت إلى أوروبا في عهد السلطان محمد الفاتح ذي الطابع الإسلامي، لم تتمكن في عهد الأتاتوركية العلمانية وحتى الآن من العبور إلى أوروبا سياسياً، لتصبح عضواً في اتحادها الأوروبي، بسبب عقد الماضي بين الطرفين والذي عمّق من صراع الحضارات بين الإسلام والمسيحية وما تزال آثاره تفرض نفسها على الواقع الدولي. ولكون القارة الأوروبية ظلت لقرون عدة ساحة لصراع إرادات وصدام بين ثقافتين وحضارتين، لم تتمكنا من التعايش ولم تستطع أي منهما إخراج الأخرى من الحلبة، ولأن أوروبا ظلت تستذكر ما تركته الحروب الصليبية من شطر العالم إلى نصفين، فقد كان لزاماً البحث عن آصرة جديدة يتم بموجبها حلف تلفيقي بين عالمين، كانت الحرب هي أداة التواصل الوحيدة بينهما لقرون عدة، على ذلك ومن أجل إزالة آثار الماضي، كان على تركيا أن تلتقط رسالة العالم المسيحي، بأنها يراد منها أن تكون قوة عسكرية مطلوب حضورها المستمر من التحالف الغربي، لتنوب عنه في تقديم التضحيات وضريبة الدم في معارك ليست لتركيا مصلحة فيها أبداً، من دون أن يترتب على العالم المسيحي صفة الاصطفافات الصليبية مرة أخرى، ومن دون أن يرتب ذلك لتركيا استحقاق الانتماء، بجدارة، إلى الثقافة الغربية المنغلقة على المسيحية حتى وهي ترفع أكثر الشعارات العلمانية تطرفاً. ميزان الجغرافية السياسية عام زيارتنا لتركيا لم يكن ذلك البلد أكثر من جار شمالي للعراق، مطلوب منه أن يحافظ على خط صادرات العراق النفطية عبر ميناء جيهان، أو طريقاً برياً آمناً لمستوردات العراق المختلفة عبر المواني التركية على المتوسط بعد تعرض خطوطه الملاحية، عبر الخليج العربي، إلى تهديدات إيرانية تتطابق في مضمونها وفي خطابها المعلن مع التهديدات الإيرانية لدول الخليج العربي هذه الأيام، وربما لم تكن تركيا أيضاً أكثر من بلد يحرص العراق على ضمان تدفق المياه إليه في حوضي دجلة والفرات لتستمر الحياة على حالها في بلاد كان اسمها على الدوام يشتق منهما (بلاد الرافدين)، وكان العراق حريصاً على الحصول على استحقاقه من مياه دجلة والفرات، بما ينسجم وقواعد القانون الدولي في الأنهار المشتركة، تلك القواعد لم تكن الدول الثلاث المتشاطئة على الرافدين تنظر إليها من الزاوية نفسها، على العموم نجحت الزيارة في تحقيق أهدافها كاملة وخاصة ما يرتبط بتأمين متطلبات تجارة العراق عبر تركيا، وربما كنا نلمس الفقر يتجول في كل مكان ويسحق تحت أقدامه الملايين. كانت تركيا في ذلك الوقت بلداً محدود التأثير على الخارطة الإقليمية نتيجة التصادم المؤكد بين الجغرافية السياسية التي جعلت من تركيا بلداً شرق أوسطياً، وبين طموح جارف للنزعة الأتاتوركية في سلخها عن محيطها وبيئتها وربطها بأوروبا والعالم الغربي استراتيجياً، كنت في ذلك الوقت ممثلاً لوزارة الثقافة والإعلام في اللجنة العراقية التركية للتعاون الاقتصادي والفني، وحينما وصل الوفد العراقي وبسبب عدم قدرة تركيا على اختيار طريقها الخاص مفاضلة بين محيطها الإسلامي وتطلعاتها الأوروبية، فقد عانت من صعوبات اقتصادية وعاشت أزمات سياسية تجسدت في سلسلة من الانقلابات العسكرية التي منعتها من التقدم خطوة واحدة إلى الأمام في المجال الاقتصادي ونقل التكنولوجيا وتوطينها، أذكر يومها أن الحكومة التركية وضعت تحت تصرف أعضاء الوفد العراقي سيارات من نوع شيفروليت كان أحدثها من موديل 1954م.. كان ذلك في العام 1981م، ولم يترك لنا مرافقونا هامشاً من التساؤلات الحائرة، فبادروا من تلقاء أنفسهم إلى تقديم تسويغ لهذا النقص في مستلزمات الضيافة، بأن تركيا ليست بلداً نفطياً وهي تعاني من أزمات اقتصادية بنوية في غاية الصعوبة. ثاني قوة مسلحة في الأطلسي وعلى الرغم من أن تركيا كانت تمتلك ثاني جيش في عدد رجاله في حلف شمالي الأطلسي، إلا أن ذلك لم يجعلها رقماً إقليمياً مؤثراً في منطقة الشرق الأوسط، ومن المعروف أن تركيا لا تتدخل كثيراً في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، باستثناء ما تعدّه تهديداً لأمنها القومي وخاصة ما يتعلق بقضية الحركة الكردية المسلحة الآخذة بالتصاعد في ذلك الوقت، أو حساسيتها المفرطة من إثارة قضية الأرمن، أو ما تعده تهديداً للأقليات التركمانية في دول الجوار ومنها العراق، كانت تركيا تحتل الجناح الجنوبي للحلف المذكور في مواجهة جارها الشمالي، أي الاتحاد السوفيتي، وظل الغرب ينظر إلى تركيا على أن مهمتها لا تتعدى دور اللغم الأرضي، أو أكبر حقل ألغام فوق الأرض على الحدود الجنوبية للاتحاد السوفيتي، لعرقلة تقدم قوات حلف وارسو في ذروة الحرب الباردة. الانتقال من عالم إلى آخر ولكن حقبة الثمانينات نفسها شهدت أحداثاً مفصلية في تاريخ العالم المعاصر حول تركيا مما لا يمكن منع تأثيرات نسائمه الهادئة حيناً والعاصفة معظم الأحيان عليها، إذ مرت فوق جسر البسفور آلاف وآلاف من الشاحنات الناقلة لتجارة أوروبا مع آسيا والخليج العربي بنحو خاص، كما عبرت عشرات الآلاف من السفن التجارية من تحت الجسر الرابط بين أوروبا وآسيا، ليجسد ذلك كله دور تركيا الرابط بين القارتين اللتين كتبت فوق أرضهما أولى أبجديات التاريخ وسطور الحضارة الإنسانية، وجرت بفعل ظاهرة المد والجزر مياه كثيرة بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، ولكن ذلك كله لم يمهد الطريق لعودة تركيا إلى محيط اهتمامها الاستراتيجي أي العالم الإسلامي، ولتعبّد الطرق المؤدية إلى الازدهار الاقتصادي من خلال العودة إلى محيطها الإقليمي في الوطن العربي ودول آسيا، إذ تتحكم تركيا بالمضائق الرابطة بينهما، وتعاقب الليل والنهار وأفلت أقمار وغابت نجوم، ولكن تركيا ظلت تراوح مكانها، بحيث وقف العالم مندهشاً من أن تركيا التي اختارت التحالف مع الغرب على حساب محيطها الأصلي الذي تنتمي إليه حتى أسهمت في الحرب الكورية إلى جانب الأمريكان، لم تحصل من الغرب وخاصة الولايات المتحدة ولو على فضلة من بعض إنجازات التكنولوجيا إليها، فكانت مفارقة كبيرة أن تناطح التكنولوجيا الكورية الجنوبية ما تنتجه الولايات المتحدة واليابان، وتبقى تركيا على الحال الذي كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية. ومن دون أن ينجح الرئيس الأمريكي حينها رونالد ريغان في وضع برنامج حرب النجوم الهوليودي موضع التنفيذ، إنهار الاتحاد السوفيتي الذي خصص معظم موارده لمواجهة ذلك البرنامج، وبعد أن بدأ الغزو الذي نفذه لأفغانستان عام 1979م يأكل من لحم الاتحاد السوفيتي وعظمه على حد سواء، لم يجد غورباتشوف بدّاً من الاعتراف بالهزيمة المرّة بعد عشر سنوات من الغزو، مع المحافظة جهد المستطاع على إنجازات البلاد في مجالات البناء والتكنولوجيا، على الرغم من أن الفوضي كادت أن تأتي على كل شيء، ربما أعطى ذلك كله فسحة لتركيا كي تسترد أنفاسها بعد أن مضى جارها الشمالي إلى نهايته، وبدأت خططاً تربط بين العودة إلى الجذور مع التقاط الفرصة المتاحة للبناء الاقتصادي الحديث. تحولات تركيا تركيا شهدت تحولات كبرى على مختلف الصعد، ويبدو أن دورها الإقليمي والدولي يرتبط بعوامل عدة لعل في مقدمتها الاستقرار السياسي، وقوة اقتصادها وموقعها الجغرافي، وتوفر القوة العسكرية الكافية لحماية هذا الدور. في زيارتي لتركيا مطلع الشهر الحالي للمشاركة في ندوة المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية والتي أقيمت في إسطنبول، وجدت تركيا جديدة تختلف في الشكل والمضمون عن تركيا الأمس، فقد أخذت التطورات السياسية تشق طريقها بثقة عالية بالنفس وصعد التيار الإسلامي المعتدل، حتى أعاد تركيا إلى الواجهة من جديد، فالبناء الاقتصادي آخذ بالارتفاع وربما كان ذلك، تحديداً، بسبب عودتها إلى محيطها وتربتها التي نبتت فيها ونمت في الماضي، وعالجت أزماتها الاقتصادية ونجحت في توطين التكنولوجيا، وأعادت النظر بمسلمات سياسية كان مجرد التقرب من أسوارها كفيل بخروج الجيش من ثكناته وانتقال رئيس الأركان إلى القصر الجمهوري، وإخراج السياسيين من مكاتبهم الرسمية وسوقهم إلى السجون. فماذا تغير في تركيا؟ هل أن مجرد وصول حزب بجذور إسلامية إلى الحكم أحدث هذا التغيير كله في تركيا؟ وهل كان انتقال تركيا إلى المركز السابع عشر بين أكبر اقتصادات العالم بناتج قومي بلغ 135 مليار دولار، في الوقت الذي يخيم فوق أوروبا كساد أو ركود، مجرد أمنية انتقلت بعصا سحرية من المكاتب إلى مواقع العمل؟ أم أنه تخطيط بعيد المدى، مع إطلاق لموارد البلد لتصب في خطة التنمية؟ هذه العوامل كلها هي التي عززت من ثقة تركيا بدورها الإقليمي والدولي، وأصبحت جسراً يربط بين عالمين، ويحاول أن يلعب أدواراً إقليمية كعصا توازن بعد خروج العراق من المعادلة الإقليمية، نتيجة الاحتلال الأمريكي وما رافقه أو أعقبه من تزايد للنفوذ الإيراني فيه، بحيث بات دور العراق منذ عام 2003 وحتى اليوم دور الشرطي التابع لقوة القدس التي يقودها قاسم سليماني، الحاكم الحقيقي للعراق. وبرز الدور التركي مؤخراً وبصفة واضحة في الملف النووي الإيراني، وتهديدات الزعامة الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، مما أوجد جواً من القلق والتأزم في أسواق النفط الدولية، فبعد أن تعاملت إيران مع تركيا بطريقة متعالية، وجدت نفسها في نهاية المطاف تتسول وساطة تركيا لتخفيف الضغوط الاقتصادية عليها، وخاصة فرض الحظر على صادرات النفط. وبهذا تؤكد إيران أنها تجيد قراءة رسائل القوة بطلاقة لافتة، ولكن عند الرسائل الضعيفة الواردة من الخارج، ستحتاج إيران إلى محو أميتها، وربما ستلقي بها في أول سلة للمهملات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق