بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الأربعاء، 22 فبراير 2012

الربيع العربي ينزع القدسية عن "الثيوقراطية" في إيران بقلم : توفيق المديني

almjrem_khamnaee
المستقبل اللبنانية


لقد شكل ربيع الثورات العربية، بوصفه عملية سياسية في غاية العمق ومحتواها الأساسي تحرري وتحديثي، نقلة نوعية في مسار إدخال الإسلام إلى عالم الحداثة الكونية من خلال دخول حركات الإسلام السياسي المعتدلة في صلب العملية الديمقراطية، وتهميشه للحركات الإسلامية العنفية والسلفية التي شوهت الدين الإسلامي الحنيف، وتركيزه على القضايا الداخلية التي تحتل الأولوية الرئيسة لدى الشعوب العربية، على ماعداها من القضايا الأخرى:"قضية فلسطين، والصراع العربي- الإسرائيلي، ومواجهة الإمبريالية الغربية "التي وظفتها الأنظمة الشمولية الإقليمية من أجل استمرار بقائها في السلطة. إنه النهج السياسي الجديد الذي بات يقلق جدياً نظام الملالي الحاكم في طهران الذي بدأ يفقد توازنه، وتزداد عصبيته، وربما يقدم على مغامرة بإغلاق مضيق هرمز في لعبة المجابهات الإقليمية والدولية، بعد التصعيد الكبير في الضغوطات الدولية، ولا سيما الأميركية منها، لفرض عقوبات قاسية على إيران، وبعد أن بدأت الأوراق الإقليمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تتناثر، فان ما يخيف نظام آيات الله في طهران هو عدوى الربيع العربي التي إن شقت طريقها الى الداخل الإيراني، ستفجر هذا الوضع الداخلي الإيراني الذي شهد منذ عملية التزوير للإنتخابات الرئاسية الأخيرة حراكاً سياسياً على مستوى الشارع، وعلى صعيد التنافس داخل المؤسسة الدينية، إضافة إلى الصراع داخل أجنحة السلطة الإيرانية نفسها. إن إيران، الدولة التمامية دائما، والمستعجلة دائما، تُعيد اكتشاف الثيوقراطية أي الطابع الكهنوتي للدولة الإيرانية، من خلال تبنيها لنظرية "ولاية الفقيه" كما صاغها الإمام الراحل الخميني على الرغم من أنها تجسد قطيعة فقهية ومعرفية باترة مع "نظرية ولاية الأمة على نفسها" وهي النظرية الشيعية الإصلاحية المستنيرة التي صاغها المصلح الإيراني الكبير الإمام الميرزا محمد حسين الغروى النائيني (1860-1936) منظر الثورة الدستورية الإيرانية المعروفة تاريخيا بـ"ثورة المشروطية"سنة 1906، في كتابه المهم والجريء "تنبيه الأمة وتنزيه الملة".

إن تحول نظرية "ولاية الفقيه " الخمينية إلى أيديولوجية رسمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تمنح السلطة المطلقة لمرشد الثورة (بالأمس آية الله الخميني، واليوم آية الله خامنئي)، أطاح بعصر الأنوار وحركة الإصلاح الإسلامي للأمة بشيعيّها وسنييّها، وأسقط مفهوم التقدم العزيز على قلوب الماركسيين. ومع ذلك، هنالك، مثلما في مكان آخر، فَتَحتَ النزعة الثأرية للمقدس تَحضُنُ عودة الدولة الأمة في بعدها القومي الفارسي، لإخماد المحاولات الانفصالية من جانب الأقليات الرامية للاستئثار بموارد حيوية للدولة. فإيران المنهارة القوى ظاهريا غداة ثورة الخميني زجت بجميع قواها في المعركة لاحتواء اضطرابات كردستان (سانانداج) من دون أن تمنح أدنى بداية إرضاء لمطالب الأكراد في الحكم الذاتي، وقدرتها التي لا تقل إثارة للدهشةعلى تحجيم آثار كفاح العرب في خوزستان(عربستان) من أجل الحكم الذاتي (جبهة تحرير الأهواز) وعلى استدراك انضمامها إلى الجيش العراقي في بدايات الحرب الإيرانية ـ العراقية الأولى بترحيل مكثف للسكان العرب من مراكز المدن مثل خورمشاه كل ذلك يشهد على هذا العزم من جانب الدولة الإيرانية على ألا تتخلى عن شبر من الأرض.


بعد ثلاث وثلاثين سنة من انتصار الثورة الإيرانية، هاهي الثورة ذاتها تقف الآن على الطرف النقيض من ربيع الثورات العربية الحديث وغير المسبوق، والذي تفجر في شوارع العواصم، والمدن العربية الكبرى، من خلال الحلف المقدس الذي أقامته إيران مع الأنظمة الشمولية الإقليمية والدولية الممانعة للغرب، واستعراض قوة النظام العسكرية عبر هذا الحشد الشعبي الكبير، للتأكيد للرأي العام العالمي وللدول الغربية أن النظام ليس معزولاً شعبياً بل إنه يحظى بدعم شرائح واسعة من المجتمع الإيراني سواء لأسباب أيديولوجية، أو لأسباب مادية، حيث أن الموظفين في أجهزة الدولة يعدون بالملايين، هذا فضلا عن أن النظام الإيراني لا يزال يقدم الدعم للسلع الأساسية لقطاعات واسعة من الشعب من طريق العوائد النفطية الضخمة. وتصر طهران على التمسك بنموذج النظام السياسي الديني الشمولي الذي قام على أرضية نظرية السلطة الشيعية التقليدية(أي نظرية ولاية الفقيه)، والذي حدّد موقفه من القضايا موضع الجدل في إيران، مثل مسألة المواطنة وما يتعلق بها من الحقوق السياسية، والشرعية وسيادة القانون، والجمهورية ودور الشعب، رغم أن الثورة الإيرانية، في شكلها الخميني على الأقل، ككل الثورات الكبرى التي عرفها القرن العشرون قد عاشت فترة من البراديم الثوري الخالص والبسيط الذي يفتقرلإيديولوجيا سياسية متماسكة ومتينة فضلا عن عدم الانسجام بين النخبة التي اشتركت في تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية وبين السياسة الواقعية التي يكثر فيها الاختلاط والتعقيد حول مسائل داخلية، حيث يدور صراع شديد حول التحديث في بنية النظام السياسي، وموقع الإسلام وعلاقته بالسياسة، بين المحافظين والإصلاحيين. الذين يعرفون الحقد الطبقي والعنف اللذين يطبعان ميليشيات "الباسيج"، التي أصبحت القوة الأمنية- العسكرية الضاربة للنظام الديني الشمولي، في إيران والمنبثقة عن مؤسسة "الحرس الثوري"، التي تحولت بدورها إلى طبقة مهيمنة في المجتمع الإيراني تمتلك مصادر القوة العسكرية والأمنية والثقافية والإعلامية والثروة في المجتمع، وتشكل في الوقت عينه الجيش الإيديولوجي للنظام الديني، وتحظى بعناية خاصة من جانب الرئيس أحمدي نجاد.. هذه الميليشيات، استخدمها الرئيس أحمدي نجاد، ومرشد الثورة علي خامنئي من أجل إخماد "الثورة المخملية" منذ سنتين في بلد لا توجد فيه دولة القانون، يقدرون عاليا شجاعة هؤلاء الإيرانيين من كل الأعمار، ومن كل الفئات والطبقات الاجتماعية، الذين جازفوا بحياتهم، وبالسجن والتعذيب في تحد كبير لميليشيات "الباسيج" الرسمية التي قتلت العشرات من دون تردد، في سبيل خوض معركة الديمقراطية، وتكسير المحرّم الثيوقراطي، حيث هتف المتظاهرون "الموت للديكتاتور خامنئي" الذي يرأس نظاما قمعيا عاريا من كل شرعية سوى شرعية القوة والقمع.

وها هو ربيع الثورات العربية الذي يشق طريقه في العالم العربي منذ أكثر من سنة رغم مواجهته لأنظمة شمولية غاية في العنف والقمع، ينجم عنه وصول الحركات الإسلامية المعتدلة إلى السلطة من طريق الانتخابات الديمقراطية النزيهة، حيث تبنت هذه الحركات الإسلامية المعتدلة فكرة "الإسلام الليبرالي" التي تؤمن ببناء دولة مدنية لا تصل إلى حد فصل الدين عن الدولة، لكنها في الواقع دولة إسلامية ليبرالية قائمة على مؤسسات سياسية ليبرالية (كالبرلمان والانتخابات والحقوق المدنية) بل وحتى بعض سياسات الرعاية الاجتماعية، على أساس أنها لا تتناقض مع أي نصوص دينية، دولة مدنية يختار فيها المواطنون مؤسساتهم السياسية كما يريدون، ويغيرونها إذا شاؤوا حسب الظروف. بيد أن ما ميز هذا الربيع العربي هو صدور وثيقة الأزهر بتاريخ 20 حزيران 2011، حول مستقبل مصر واستعادة الأزهر مكانته الأساسية كمرجع أعلى للإسلام في مصر ومنها إلى العالمين العربي والإسلامي. وقد طرحت الوثيقة ثوابت ومبادئ يمكن إعتبارها تأسيسية لدولة مدنية في مصر، ومما جاء في خاتمة الوثيقة ما يلي: "اعتبار الأزهر الشريف هو الجهة المختصة التي يُرجع إليها في شؤون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة، مع عدم مصادرة حق الجميع في إبداء الرأي متى تحققت فيه الشروط العلمية اللازمة، وبشرط الالتزام بآداب الحوار، واحترام ما توافق عليه علماء الأمة". وبتاريخ 10 كانون الثاني 2012، أعلنت وثيقة الأزهر حول الحريات الأساسية لتحدد بشكل رائع موقف الإسلام من حرية العقيدة وحرية الرأي والتعبير وحرية البحث العلمي وحرية الإبداع الأدبي والفني(صحيفة النهار 2 شباط 2012). فهذه الوثيقة الصادرة من أكبر مرجع إسلامي تبرز حقيقة أن الإسلام يمكنه ملاقاة المفاهيم والمسلمات الحضارية المعاصرة (حرية، ديموقراطية، حق الإختلاف، حقوق الإنسان، الأولوية لحرية الإنسان كفرد وصون كرامته، وإحترام الآخر المختلف جماعات وأفراداً، التسامح الديني خارج إطار الذمية...) والتي باتت معتمدة في غالبية المجتمعات في عصر العولمة، وينزع في الوقت الراهن القدسية عن "الفقيه"الحالي، خليفة الخميني، آية الله خامنئي، ويكسر هيبة هذا المقام الذي بقي طوال ثلاثة ثلاثين عاماً من عمر الجمهورية الإسلامية بعيداً عن أي نقد، من خلال استنكاره للطبيعة الثيوقراطية لولاية الفقيه، واتهامه لمرشد الثورة، وأهل الحكم في طهران، باستعادة الممارسة الثيوقراطية. لقد أكد ربيع الثورات العربية على أن الصراع في العالم العربي والإسلامي يتمحور بين سيادتين: واحدة إلهية دينية، وأخرى شعبية ديمقراطية. وعلى نقيض ولاية الفقيه التي شكلت الأساس الإيديولوجي الذي يقوم عليه نظام الجمهورية الإسلامية، طورت الحركات الإسلامية العربية المعتدلة "ولاية الأمة على نفسها" أي فكرة "الإسلام الليبرالي"، التي تعتمد بناء الدولة المدنية في المسألة السياسية والتنظيمية المتعلقة بالمجتمع السياسي، باعتبارها دولة زمنية لا يجوز للفقهاء أن يتولوا السلطة فيها، أو أن يكون جميع جسمها، ولاسيما جميع مفاصلها وقيادتها، مكونة من رجال الدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق