بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الجمعة، 29 يونيو 2012

"نووي" إيران... العقوبات أم الضربات؟! بقلم : جيفري كمب


geoffrey_kemp
الاتحاد الاماراتية
انتهى اجتماع موسكو الذي عقد بتاريخ 18 يونيو الجاري بين إيران والدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا، دون أن يحقق أي اختراق أساسي في موضوع البرنامج النووي الإيراني، ودون أن يُطمئن المجتمع الدولي حيال الأبعاد المدنية المزعومة للبرنامج كما تقول طهران. لكن مع ذلك، لم توصد تماماً الأبواب أمام المفاوضات، بل تم الاتفاق على مواصلة الجلسات على مستوى أقل، واستمرار المباحثات مع الخبراء والمسؤولين في البلدان المعنية خلال فصل الخريف المقبل.
ومع أن تلك التطورات تبدو من وجهة نظر المنتقدين لسير المفاوضات، كأنها دليل آخر يثبت قدرة إيران على المراوغة وجر المفاوضات في طريق طويل يكسبها المزيد من الوقت، مع التمسك بقدر ضئيل من الأمل، يكفي فقط لإبقاء الولايات المتحدة منخرطة في المفاوضات واستبعاد الحل العسكري، إلا أن الأمر يختلف بالنسبة للدبلوماسيين المحنكين الذين ينظرون إلى التطورات الأخيرة من منظور مغاير. فمحطة موسكو التي لم تنته إلى اختراق مهم، يتعين النظر إليها باعتبارها خطوة ضمن سيرورية دبلوماسية طويلة وشاقة لاستعادة الحوار الجدي بين أميركا وإيران، وهو الحوار الذي ظل غائباً على مدار الثلاثين عاماً الماضية. يضاف إلى ذلك أن إيران لا تكسب الوقت بقدر ما تعاني من العقوبات المتصاعدة على قطاعات استراتيجية من اقتصادها، سواء تعلق الأمر بالولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي الذي يتهيأ قريباً لفرض عقوبات على قطاع النفط الحيوي، ليعطل بذلك قدرة إيران على تصدير النفط إلى الخارج والحصول على المال. وفي هذا السياق، يبدو أن استراتيجية العقوبات الجديدة على الجمهورية الإسلامية تتمثل في إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بالقطاع المالي، مع تفادي حاجة الدول الغربية للجوء إلى مجلس الأمن الدولي.

ومع أنه من غير المرجح أن تقبل روسيا والصين بهذه العقوبات، أو تنخرط في تطبيقها، إلا أنها حتى لو اقتصرت على الغرب والدول المتحالفة معه، فإنها ستكون ذات تأثيرات كبيرة على قطاعات مهمة من الاقتصاد الإيراني.
وما حصل على مدى السنة الماضية، كان تشديداً من طرف الدول الغربية للخناق المالي على إيران وقطع الطريق على معاملاتها المالية.
فأولاً، قامت الدول الغربية بحجب خدمة "سويفت" المالية المسؤولة عن التحويلات المالية بين المؤسسات والشركات في أنحاء العالم العالم بطريقة سريعة، وهي آلية ضرورية لإنجاز الأعمال، ومن دونها تتعطل مصالح الشركات الإيرانية وتفقد قدرتها على التنافس، حيث تتضرر البنوك والشركات والمؤسسات المالية المهمة في إيران.
وثانياً، استطاعت الولايات المتحدة إقناع أكبر البنوك العالمية برفض طلبات الحصول على العملة الصعبة من المصارف الإيرانية، الأمر الذي يزيد من عزلة الجمهورية الإسلامية ويعقد عمليات القيام بالأعمال، فمن دون قدرة طهران على تحويل عملتها إلى الدولار، أو بقية العملات الصعبة الأخرى، سيكون من الصعب عليها دفع مستحقاتها المالية للمتعاقدين، ومن ثم ستلجأ إلى طرق ملتوية ومكلفة لتحويل عملتها قصد الحصول على البضائع والسلع والمواد المستوردة.
ثالثاً، وفي سياق تشديد الخناق، ضغطت الدول الغربية على شركات التأمين الأساسية في لندن لمنع تأمين السفن الإيرانية المحملة بالنفط، ومن دون هذا التأمين ضد الأخطار التي تعترض عادة السفن في أعالي البحر وتقيها من تبعات الحوادث، مثل التسرب النفطي وغيره، لن توافق شركات الشحن العالمية على نقل النفط الإيراني.
ومع أن هذه العقوبات ليست كافية لوحدها لشل الاقتصاد الإيراني تماماً ودفعه إلى الانهيار، إلا أنها مؤذية بدرجة كبيرة، لا سيما أن الولايات المتحدة تستعد خلال الأسبوع الجاري إلى استهداف البنوك الثانوية حول العالم، والتي ما زالت تتعامل مع إيران، كما أنه بحلول يوم الأول من شهر يوليو المقبل سيدخل الحظر الأوروبي على واردات النفط الإيراني حيز التنفيذ، وهو ما سيفقد خزينة الدولة الإيرانية موارد مهمة يصعب تعويضها بالنظر إلى الاعتماد الكبير من جانب الاقتصاد الإيراني على قطاع المحروقات والطاقة.
وعلى الرغم من بعض التحفظ الموجود عادة، وبشكل تقليدي، لدى المجتمع المالي الذي يتردد كثيراً قبل استهداف البنوك المركزية للدول، لما لهذه الأخيرة من بعد سيادي يشبه استهداف سفارات البلدان المستقلة، إلا أنه مع ذلك، وبضغط واضح من الولايات المتحدة، فقد بدأت عملية انخراط واسعة في فرض العقوبات على المصرف المركزي الإيراني، ليصبح من الصعب على طبقة التجار الإيرانيين عقد الصفقات الخارجية وتحويل الأموال، أو تلقيها بالعملة الصعبة. وفي هذا الإطار، هناك جهود واضحة تبذلها دول مجلس التعاون الخليجي للحد من تعاملاتها التجارية مع إيران، ووفقاً لبعض المسؤولين، فقد عمدت بعض البنوك الخليجية إلى رفض طلبات بعض الإيرانيين فتح حسابات بنكية لديها.
ومرة أخرى، لا أحد يتوقع أن تقود هذه العقوبات، مهما اشتدت وفق الوتيرة الحالية، إلى انهيار النظام في طهران، ولا إلى إجباره على تغيير سياساته بشأن البرنامج النووي ... لكنها تثير أسئلة حارقة داخل إيران حول الكلفة الاقتصادية الباهظة التي ستدفعها الجمهورية الإسلامية نظير مواقفها المتعنتة حيال المجتمع الدولي ومخاوفه. لذا، فإن الأمر الوحيد الذي يمكن بالفعل أن يسهم في التخفيف من حدة معاناة النظام تحت وطأة العقوبات الغربية، ودفع فئات واسعة من المجتمع للالتفاف حول قيادته ومنحها تأييداً غير مشروط، هو الإقدام على ضربة عسكرية أحادية ضد إيران، سواء جاءت هذه الضربة من إسرائيل أو من الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي تدركه جيداً إدارة أوباما ومعها الاتحاد الأوروبي، وهو ما يفسر تريثهم جميعاً ورغبتهم في تأجيل أي حديث عن ضربة عسكرية لإيران أطول وقت ممكن، حتى تتضح الرؤية وتنجلي الصورة، وسط الضباب المخيم على حقائق كثيرة في هذا المجال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق