بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

ضياع بوصلة الثورة .. إيران تدفع ثمن طموحات إمبراطورية خارجية بقلم:وائل مرزا

 تنتج إيران أكثر من 4 مليون برميل من النفط في اليوم وتُعتبر رابع أكبر منتج في
العالم لهذه السلعة الثمينة.
رغم هذا تهبط قيمة الريال الإيراني أكثر من %80 خلال هذا العام وأكثر من %40 خلال الأسبوع الماضي وحده!
ضاعت بوصلة الثورة الإيرانية منذ زمنٍ طويل.
لبضع سنوات، حاول الرئيس السابق محمد خاتمي ومعه بعض الإصلاحيين إعادة توجيهها في الاتجاه الصحيح تنميةً للبلاد وبناء للإنسان، لكنهم لم يفلحوا في ذلك.
أضاع قادة إيران بلادهم وهم يلهثون وراء هوسٍ إمبراطوري معاصر يعتاش على هوسٍ مرضيٍ ببعض أحداث التاريخ. لا حاجة لنا اليوم للحديث بمنطق الصراع الطائفي لانتقاد ما يفعله هؤلاء اليوم بموقفهم من الشعب السوري وثورته النبيلة. فالموقف المذكور لم يأتِ إلا تجلياً لاستمرار هوسهم المذكور، وتعبيراً عن شعورهم بخطورة تلك الثورة.
لا يجب أن نستهين أبداً بما فعلته الثورة السورية على صعيد إضعاف أي مشروعية سياسية وأخلاقية لمشروع إيران في المنطقة. فهذه المشروعية في غاية الأهمية؛ لأن القوة وحدها لا تكفي أبداً لتحقيق المشروع. وقد هدمت الثورة السورية في أشهر مشروعية قضت إيران أكثر من عقدين في بنائها.
المهم أيضاً أن ندرك كيف يأخذ قادة إيران شعبهم وبلادهم إلى الهاوية بممارساتهم وأحلامهم التوسعية. لا نقول هذا من باب الأمنيات، وإنما تؤكده الوقائع والأرقام.
فحين تهوي قيمة العملة الإيرانية بالشكل الذي بيناهُ، وحين تمنع السلطات المواطنين قهراً من تحويل أموالهم إلى العملة الصعبة، وحين تُضرب أجزاء كبيرة من بازار طهران الشهير، ويخرج التجار والمواطنون في مسيراتٍ تهاجم النظام وسياساته، ويُواجَهُ هؤلاء بالقنابل المسيلة للدموع، لا يكون بعيداً وفق سنن الحياة الاجتماعية أن يصبح هذا بداية الانهيار الكبير.
لا ندعي أن هذا سيحدث غداً أو الشهر المقبل، لكننا نعرف أن السنن المذكورة لا تُحابي أحداً. فبحسابات الاقتصاد، يمكن لإيران أن تصبح دولة إقليمية كبرى بكل المقاييس. لكن سيطرة الأيديولوجيا الخانقة والطموحات الشخصية على التفكير السياسي لقادتها يمنع حصول ذلك، وبشكلٍ فعال.
يرتفع إجمالي الناتج القومي لإيران من 230 إلى 482 مليار دولار تقريباً خلال السنوات من 2007 إلى 2011، هذا علماً أن السبب الأكبر يكمن في صعود أسعار البترول عالمياً. وترتفع صادراتها من 67 إلى 132 مليار دولار يُشكل النفط نسبة تصل إلى %80 منها.
لا يمكن إدراك الفشل الكامن في سياسات القيادة الإيرانية إلا بمقارنتها مثلاً بجارتها تركيا التي تقاربها في عدد السكان. ففي نفس الفترة ارتفع الناتج القومي لتركيا من 400 إلى 778 مليار دولار، وارتفعت صادراتها من 90 إلى أكثر من 143 مليار دولار لا يشكل النفط منها شيئاً. ستبدو الصورة أوضح بكثير حين نعلم أن إيران تنتج أكثر من 80 ضعفاً من إنتاج تركيا من النفط والغاز!
تريد القيادة الإيرانية أن تملك دوراً إقليماً متميزاً، وأن يكون لإيران، تحت سيطرتها، وزنٌ مُعتبر، لكنها ستُمنى بفشلٍ تلو آخر ما دامت تسير ضد سنن وقوانين الاجتماع البشري. خاصة حين تزهد كلياً بعملية التنمية الداخلية وتُبعثر ثورة بلدها في مغامرات خارجية.
تستطيع القيادة الإيرانية الاستمرار في دعم النظام السوري، وهي لا تُقصر في ذلك، لكنها تفعل ذلك كمن يريد شراء الوقت أكثر من أي شيءٍ آخر. فالنظام السوري انتهى كلياً سياسياً وإلى حدٍ كبير عملياً، وإن لم يكن واضحاً وقت وكيفية السقوط على وجه التحديد. والإيرانيون يعلمون أن هناك مستتبعات كبيرة لهذا السقوط تتعلق بمشروعهم.
إذ لا يمكن لأي نظام أن يقدم لإيران ما قدمه نظام الأسد، وبالتالي فلكي يبقى النظام الإيراني نفسه، وسط محيطٍ سني، لا يوجد أمامه إلا أن يقدم تنازلات تتعلق بوقف أحلامه بالسيطرة على المنطقة وتصدير الثورة، وصولاً إلى التعامل مع الدول الأخرى بما يحقق مصالح هذه الدول. وإلا فإن إيران ستشهد عزلة إقليمية خانقة تُضاف إلى عزلتها الدولية الحالية، الأمر الذي سيزيد الأعباء الداخلية وما يتبع ذلك من اضطرابات اقتصادية واجتماعية وأمنية وسياسية نرى ملامحها تزداد منذ الآن.
ولا يمكن هنا إلغاء عنصر يتمثل في وجود حزب الله ودوره. إذ لن يكون هذا الحزب كما هو عليه الآن قطعاً، لأنه يستمد نفوذه من مجموعة عناصر أحدها القوة العسكرية التي يُحاول أن يترجمها قوةً سياسية في واقعٍ يسمح بذلك مثل الواقع اللبناني. بالمقابل سيكون لسقوط النظام السوري تأثير سلبي كبير على مسائل الإمداد العسكري لحزب الله. ثم إن سوريا تُعتبر عمقاً استراتيجياً في غاية الأهمية بالنسبة للحزب، حتى في ظل وجود مرجعيته في إيران؛ لأن الجغرافيا السياسية تفرض نفسها في نهاية المطاف. وسقوط النظام سيكون له مرة أخرى تأثير سياسي عملي ومعنوي هائل يتمثل في غياب العمق الاستراتيجي المذكور.
منذ سنوات أكد خاتمي على ضرورة إدراك الفارق بين (ثقافة المنع وثقافة المناعة) وعن إمكانية (ظهور أزمة هوية بين قيم الحكومة وقيم المجتمع) وعن خطورة وجود (انقسامات في الخطاب الوطني وولادة ثقافتين متناقضتين).
لم يفهم القادة الذين سيطروا على إيران مثل هذه الطروحات بعد أن جمدوا (ثورتهم) عند مرحلة التركيز على الشعارات من جانب وحصروها في طموحات إمبراطورية خارجية من جانب آخر. والواضح أنهم سيدفعون ثمن هذا التفكير على المدى المنظور.
آخر تعديل على الثلاثاء, 09 تشرين1/أكتوير 2012 19:27

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق