بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

إيران والمجتمع الدولي (1)بقلم:عبيدلي العبيدلي

«إيران والمجتمع الدولي»؛ هو عنوان الطبعة العربية من كتاب تريتا بارزي الإنجليزي
بعنوانه الأصلي (Single Roll of the Dice: Obama Diplomacy with Iran). كلتا النسختين العربية والأمريكية صدرتا عام 2012. وللعلم فمؤلف هذا الكتاب هو ذاته مؤلف (The Treacherous Alliance)، والترجمة الحرفية لعنوان هذا الأخير كانت «الحلف الغادر». لكن الدار العربية للعلوم اختارت له حينها عنواناً مختلفاً هو «حلف المصالح المشتركة».
في «إيران والمجتمع الدولي» يجد القارئ العربي نفسه أمام منجم غني بالمعلومات عن السياسة الخارجية الإيرانية والعلاقات التي حاولت أن تنسجها طهران مع دول لم تتوقف عن شن هجماتها الإعلامية ضدها من أمثال الولايات المتحدة؛ بل وحتى إسرائيل. بالمقابل تكتظ صفحات الكتاب بمعلومات غنية هي الأخرى عن آليات صنع القرار في البيت الأبيض. ورسالة المؤلف هي تحديد معالم الطريق الذي سلكته الدولتان؛ إيران والولايات المتحدة خلال العشر السنوات الماضية من أجل الوصول إلى لغة تفاهم مشتركة بوسعها تنظيم العلاقات المتوخاة بينهما.
ليس القصد من عرض الكتاب إطلاع القارئ الكريم على ما جاء فيه من معلومات، رغم أنني سآتي على البعض منها لإبراز جوانب مهمة من منهج الكاتب، هذا المنهج في تقويم العلاقات الدولية المعاصرة هو أهم ما يميز الكتاب ويجعله معيناً لقارئه في فهم قضايا معقدة يتناولها الكتاب ويحاول من خلال تسليط الأضواء عليها تنوير القارئ كي يتمكن هو الآخر من السير في تلك الطريق، مدركاً المخاطر التي تحف بها والتحديات التي لا بد وأن تكون قد واجهت الدولتين اللتين سارتا فيها سوية مع دول أخرى ضمتها مع كل منهما جبهات تحالفية تضامنية، وأخرى نظمت علاقاتها نزاعات عدائية متنافرة.
ففي الفصل الأول من الكتاب، والذي اختار له المؤلف عنوان «سلام الضرورة»، ويلحقه بعنوان فرعي مقتطف من مقولة لالبرت آينشتاين تنص على أنه «لا يمكنك تجنب الحرب والاستعداد لها في الوقت نفسه»، يورد الكاتب الكثير من تفاصيل عرض إيراني للولايات المتحدة حمله السفير السويسري في طهران تيم غولديمان بصفته «القيم على المصالح الأمريكية في إيران، لأن الولايات المتحدة لا تملك سفارة هناك»، في أوائل العام 2003 أبدت إيران استعدادها للدخول في «مفاوضات شاملة بينها وبين الولايات المتحدة».
العرض، كما يورده المؤلف، والذي نال موافقة المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي وأدهش الإدارة الأمريكية حينها، قائم على «التوقف عن دعم حماس والجهاد الإسلامي، والضغط على الحركتين لوقف هجماتهما على إسرائيل.. وفيما يتعلق بحزب الله عرضت إيران دعم نزع سلاحه وتحويله إلى حزب سياسي،.. وإخضاع برنامجها النووي المتنازع عليه للتفتيش الدولي الدقيق.. وستعمل إيران بشكل ناشط مع الولايات المتحدة لدعم الاستقرار السياسي وتشكيل حكومة غير طائفية في العراق.. وقبول طهران إعلان بيروت الصادر عن القمة العربية...».
قائمة طويلة من الالتزامات الإيرانية التي قد تبدو متناقضة مع السياسة العلنية للحكومة الإيرانية ومغرية للإدارة الأمريكية، التي يرى بارزي أنه «تم عمداً تضييع فرصة لتحقيق تقدم كبير. ويقر كثير من مسؤولي إدارة بوش السابقين أن عدم الرد كان خطأ.. لكن مجرد رفض الاقتراح لم يكن كافياً، بل أراد المتشددون في إدارة بوش زيادة الطين بلة.. وقررت إدارة بوش معاقبة السويسري ..».
في الصفحات التي تفصل بين المقدمة المثيرة والفصل الأخير الذي يخصصه الكاتب للسيناريوهات المحتملة للعلاقات الأمريكية - الإيرانية في المستقبل المنظور، يزاوج الكاتب بين الإفصاح عن معلوماته التي استقاها من مصادر، مباشرة وغير مباشرة، قريبة من صنع الأحداث التي حددت معالم تلك العلاقة أو التأثير في مساراتها، وبين تسخير تلك المعلومات في تسليط الضوء على القرارت التي حكمت المسارات التي سلكتها الإدارتان في واشنطن وطهران، وجاءت محصلتهما الواقع الذي يحكم اليوم العلاقات القائمة بينهما، والذي كان يمكن أن يكون مختلفاً لو أن إدارة البيت الأبيض وافقت حينها على العرض الإيراني، أو حتى قبلت بمجرد الدخول مع طهران في مفاوضات بشأن ما ورد في وثائق ذلك العرض.
في الفصل الحادي عشر، الذي حمل عنوان «في مأزق العداء»، يفصح بارزي عن رسالته الأساسية باستهلال يقتطفه عن قول مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية يعلن فيه في يوليو 2010 «كان نهجنا الدبلوماسي مع إيران مغامرة برمية نرد واحدة». وهو العنوان الأصلي للنسخة الإنجليزية للكتاب. يستطرد بارزي بعدها قائلاً «بعد عام ونصف من تولي الرئيس باراك أوباما الرئاسة، لم يكن يحتفل بالانتصار الدبلوماسي الذي سعى إليه، بل بفرض العقوبات التي كان يأمل تجنبها. فعلى الرغم من التواصل الواسع النطاق، والفوائد الاستراتيجية الواضحة، وفرص غير مسبوقة للحوار، وجد أوباما نفسه في علاقة مواجهة مع إيران». وينهي بارزي هذا الفصل بالقول «حتى الآن أبدى كلا الطرفين، في أوقات مختلفة اهتماماً في حل نزاعهما. كلاهما جازفا وأطلقا مبادرات لتسوية خلافاتهما، إلا أن قدراتهما على التواصل نادراً ما تزامنت، عندما نظر أحدهما إلى الخارج، كان الآخر ينظر إلى الداخل، ونادراً ما تمكنا من الحفاظ على الإرادة السياسية اللازمة للتوصل إلى حل.. مع أن طهران وواشنطن لا تحتاجان إلى المخاطرة بكل شيء، إلا أنهما كانتا بحاجة إلى أكثر من حظ مبتدئ للخروج من مأزق العداء الذي تتخبطان فيه حالياً».
ولربما أراد الكاتب أن ينوه إلى ضياع فرص سلام كان يمكن أن يقوم فيما لو قبلت واشنطن العرض الإيراني الذي حمله الدبلوماسي السويسري، وإن الظروف التي تعيشها الدولتان اليوم لم تعد تسمح لتكرار تلك الفرصة. هذا الضياع يكشف عنه الكاتب في الفصل الأخير عندما يضع السيناريوهات المحتملة، ويرى أنها، وإلى حد بعيد محفوفة بالمخاطر ويكتنفها الفشل من كل جانب.
في ذلك الإطار ينتقل بارزي من التاريخ الماضي إلى الحاضر المعاش، حيث يصف الخيارات الأمريكية الراهنة على أنها تحمل في أحشائها ضعفاً غير مسبوق مصدره التباين الواضح بين «مصالحها ومصالح حلفائها الإقليميين». مقابل ذلك يرى الكاتب أن الإيرانيين، هم أيضاً وبفضل التطورات التي عرفتها المنطقة العربية، قد «خسروا زخمهم ويرجع جزء من ذلك إلى الربيع العربي والجزء الآخر إلى انقساماتهم الداخلية». يصل بارزي في نهاية الكتاب إلى مجموعة من الدروس يمكن تلخيصها في «أولاً لا تشكل العقوبات متمماً للدبلوماسية ولا بديلاً للإشراك، ثانياً ينبغي عدم وضع قيود لا ضرورة لها على الدبلوماسيين الأمريكيين، ثالثاً من غير المحتمل إحراز تقدم في الملف النووي ما لم توضح واشنطن والاتحاد الأوروبي الغموض المحيط بمسألة تخصيب اليورانيوم، رابعاً تقليص ثلاثين عاماً من التوتر واسع النطاق بين الولايات المتحدة وإيران إلى مفاوضات ترتكز على متغير واحد لا يشكل صيغة للنجاح، خامساً ينبغي الاستفاد من مساعدة الدول القادرة على ردم هوة الثقة بين إيران ومجلس الأمن الدولي عموماً وبين إيران والولايات المتحدة تحديداً».
يختتم بارزي كتابه بنصيحة للدولتين إن هما أرادتا بناء علاقات دبلوماسية راسخة، التي لن يكتب لها النجاح ما لم يركز «الدبلوماسيون على الصبر والتقدم طويل الأمد، عوضاً عن الإصلاحات السريعة الهادفة إلى استرضاء الدوائر الانتخابية المحلية، سواء أكانت في طهران أو واشنطن».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق