بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الخميس، 19 يوليو 2012

ثم رقدوا بسلام بقلم: فاضل الأحوازي

نبهت جدتي ونحن نتسامر في الفضاء المكشوف إلى منظر أربعة شهب تخر سريعا ثم تتشظى وتتلاشي في الأفق البعيد، فما كان منها إلا أن تحوقلت وسبحت واستغفرت، وعندما سألتها عن سبب هذا التحوقل والتسبيح والاستغفار المفاجئ، قالت لي إنها
علامة على موت أربعة ملوك أو عظماء أو ذوي شأن عظيم. لم يشأ القدر أن يكذب نبوءة تلك العجوز، ولم يمض على نهار اليوم التالي إلا سويعات قليلة حتى جاء الخبر بإعدام أربعة أبطال من أحرار الأحواز، إنهم علي الشريفي وطه وعباس وعبد الرحمن أبناء طعمة الحيدري .
كنت قبلها وبالصدفة المحضة قد سألت أحدهم عن سبب عدم رضاهم بالعيش في وداعة وسكينة تحت ظل حكم الدولة الإيرانية الذي يتفجر إسلاما وإيمانا. فجاوبني ودمع العين يسبقه، كيف لي أن أستكين وقد ضاعت الطرق من خطوات نخطوها على طريق الإنسانية؟ ، كيف لي أن أستكين وليلنا خوف من الكلاب الضالة وزوار الليل ونهارنا ذل وهوان؟ . كيف لي أن أستكين وحبل المشنقة شر مرحب بأبناء بلدي بذنب أو بلا ذنب وأعناقهم خير مسلمة له؟، كيف لي أن أستكين وأنا أراهم يسرقون لقمة العيش من أفواه أطفالي وأطفال جيراني، ونبيت جميعا على الطوى ونحن أول من أقرى الضيف ؟ كيف لي أن أستكين وأنا أراهم يشربون نخب عربدتهم علينا ويتراقصون على أنغام تعذيبنا وهواننا؟، كيف لي أن أستكين وقد سرقوا منا هويتنا وعطر حروفنا؟، كيف لي أن أستكين وحرائرنا تنادي منذ أكثر من خمس وثمانين عاما على المعتصم مستنجدة به ويرجع الصدى بأن المعتصم مات قبل ألف ومئتي عام و لن يعود. وعليكم الاعتماد على أنفسكم. بالله عليك قل لي كيف أستكين وأهادن؟. أخذ نفسا عميقا ليكمل أسباب عدم استكانته إلا أنني - واشفاقا مني عليه و خوفا أن يصيبه مكروه- قاطعته معلنا له أن الرسالة و صلت و فهم مضمونها.
في معتقل كارون سيء الصيت والسمعة ساقوهم الى حيث تنفيذ مؤامرتهم الدنيئة كي يفرغوا في أجسادهم الطاهرة كل حقدهم، ويبثوا فيها كل سموم العنصرية الدفينة. لم يستجد الأبطال جلاديهم وجلاوزة النظام الحاقد، ولم ترتعد فرائصهم خوفا من المصير المحتوم المنتظر، بل كانت مشيتهم مشية الواثق بنصر الله. كانت مشيتهم مشية العريس يوم زفافه فرحا مزهوا مستبشرا بغد أفضل. كانوا واثقي الخطوة كما الملوك، ليس ذلك فحسب بل عندما وقفوا في مواجهة الموت كبروا وكبروا حتى تصاغر الموت أمام بريق عيونهم وهم يلوحوا بأيديهم مودعين لوطن طالما عشقوا كل ذرة رمل فيه وتغنوا بولادته حرا منعتقا من أغلال الغاصبين في لحظات الوداع الأخيرة وابتساماتهم ملأت وجوههم النيرة، وملأت الآفاق أملا. ولم تكن الخنساء أقل شجاعة من أولادها، تلك المراة الصابرة المحتسبة التي كانت تتراقص وتهوس أمام فلذات أكبادها متوعدة بتقديم المزيد إن استطاعت.اعتلوا مشانقهم كفرسان يمتطون ظهور جيادهم، ولم يكن لهم من وصايا إلا وصية واحدة، لقد سرنا على درب نتمنى على الذين من خلفنا أن لا يقفوا في منتصفه، بل عليهم أن يكملوا هذا الدرب إلى آخره. حتى لو فني الجميع، ويكفي أن يولد طفل أحوازي واحد، نعم طفل أحوازي واحد يستنشق عبير الحرية والإنفلات من القيد العنصري البغيض.
وهكذا تموت الرجال كما النخيل واقفة لا تنحني إلا لخالقها.
هاهم شهداؤنا يتقاطرون غيثا كلما جفت الأرض، يتناثرون ضوءا كلما احتدم الظلام، وعطرٌ من الياسمين يشيّع أرواحهم كل ليلة مابين جنة وجنة.
أسلموا أرواحهم للسماء، وأجسادهم للأرض، وكثيرٌ من أمل كان يسكنهم فأصبح بهم، لم يكتفوا برسم الحلم بل أضاؤوه، ليكون الحلم من جديد ثم رقدوا بسلام .
نموت ويحيى الوطن
ahwazi_fadel@yahoo.com عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق