بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الخميس، 10 يناير 2013

مجزرة المحمّرة مأساة مستمرة بقلم : احمد زرقاني

تابعت اليوم احد البرامج التلفزيونية المعنية بنقل معاناة الشعب الأحوازي و كانت
الحلقة مخصصة للحديث عن مجزرة المحمّرة التي  وقعت في 29 مايو 1979 عقب صعود الخميني الي الحكم .
رغم جهل الكثيرين عن هذه المجزرة التي كانت بمثابة أول رسالة واضحة و صريحة عن موقف الحكومة الجديدة في طهران تجاه الدول المحتلة ضمن جغرافيا مايسمي بإيران ، الا ان المجزرة و أسبابها و العبر المأخوذة منها لم تناقش كما يجب ، من قبل المتخصصين من الناشطين الاحوازيين أو الحقوقيين في المجال الدولي نظراً لكونها وقعت في فترة زمنية كانت تفتقر الي وسائل نقل الخبر الحديثة و المتوفرة في متناول الجميع في أيامنا هذه .

عقب انتصار "الثورة" في ايران ، توجّه السيد الخاقاني مع وفد يمثّل أبناء الاحواز لمقابلة المقبور الخميني ، لمباركته بنجاح " الثورة" التي دعمها ابناء الاحواز بناء علي الوعود التي قطعها الخميني باعطاء الحقوق القومية لابناء الشعوب المحتلة من قبل الدولة الفارسية و يروي لي أحد أعضاء هذا الوفد انهم كانوا شديدي الحماس لهذا اللقاء الذي كانوا يعتقدون بأنّه اول خطوة باتجاه حصول ابناء شعبنا علي حقوقهم لدرجة ان أحد اعضاء الوفد كان قد باع جزء من املاكه ليشتري قلماً مصنوع من الذهب ليقدّمه الي المقبور الخميني من شدّة الحماس و الفرح الذي كان قد تملّكه بخصوص هذه الخطوة التاريخية ، و يكمل الراوي : بعد ان تمكّنا من مقابلة الخميني ، و عند مخاطبتنا له باللغة العربية الّتي يتقنها جيداً ، تفاجأنا برفضه التحدّث بها و حثّه لنا علي التكلّم بالفارسية ، و يزيد بأن المقبور قال الكثير من الكلام الذي شكل صدمة لنا و كان أهونه قول الخميني بأنه : ليس لدينا عرب في ايران ، بل لدينا غجر جاؤوا من البلدان المجاورة!
و يقول بعد ان كان بعضنا علي استعداد للبقاء ضمن جغرافيا "ايران" اسلامية بسبب انخداعهم بالشعارات الزائفة التي اطلقتها ثورة الخميني ، علمنا جميعاً بأننا علي مشارف التعرض لقمعٍ أسوأ من القمع الذي تعرضنا له ،علي يد الوجه الآخر للعملة الشوفينية الفارسية !

انتهي اللقاء و رجع الوفد الي الأحواز ، لتبدأ بعده سلسلة من الاحداث التي تعتبر المسبب الرئيسي لهذه المجزرة ، كتقارير صحفية تشير الي امتلاك الاحوازيين للسلاح ( و هو عرف قبلي ) و ايضاً تشكيل الحرس الثوري و استقالة احمد مدني من منصبه في ظروف غامضة و من ثم تعيينه كحاكم عسكري للأحواز ، مما دفع البعض للخروج بمظاهرات احتجاجية  للتنديد بهذه الخطوات ، و بعد تصاعد الامور تدريجياً و اكتمال المقوّمات الاساسية للقيام بثورة أحوازية ، هاجمت القوات الفارسية مدينة المحمّرة و بدأت بقصفها قبيل الاقتحام العسكري ، و بعد الاقتحام قامت بمهاجمة جميع المراكز الثقافية العربية في هذه المدينة و قامت باغتيالات و اعتقالات عشوائية ، و يقول لي أحد الشهود العيان ، بأن الجنود الفرس كانوا يرددون و يصيحون : حريّة ؟! اذا كنتم تريدون الحريّة فتعالوا و خذوها منّا !
استمرّت هذه المجزرة لمدة ثلاثة أيام و راح ضحيّتها ما يفوق ال٥٠٠ قتيل ، و آلاف الجرحي و المعتقلين و تركت جرحاً ما تزال أوجاعه تؤلم كلّ بيت محمّراوي و أحوازي.

سألت الشخص الذي تواجد أثناء اللقاء الذي جمع الوفد العربي الأحوازي بالخميني و تحدّث لي مطوّلاً عن هذا الموضوع و المجزرة التي تلته و عن سياسات الحكومة الفارسية و كيف انّها ما زالت تقوم بالمجازر يومياً و لكن بأشكال قانونية . يقول الشيخ الّذي تظهر علي وجهه تجاعيد عمرٍ قضاه في سبيل نيل حقوقه و حقوق اخوانه و أبناء شعبه ، بأن مجزرة المحمرة  ربما تكون واحدة من مجازر قليلة ارتكبت بشكل عسكري ، و لكن هذا لا يعني انّها المجزرة الوحيدة،  فقط لكونها عسكرية حيث انّ الاقدامات القمعية و القوانين الّتي تسنّها حكومة طهران و الّتي من شأنها أن تصعّب الامور الحياتية البسيطة للفرد الاحوازي و الحقوق المكفولة له بالتعبير عن هويته القومية و رأيه بكل حريّة ، لا تقل أذيً عن تلك المجزرة التي ارتكبت في الاربعاء الأسود ، لا بل ان آثارها النفسية و الصحية و الثقافية و الاقتصادية تفوق بعشرات المرّات قوّة الرصاص و القدائف التي مزّقت أجساد أبناء شعبنا الأحرار في ذلك اليوم المشؤوم . و يكمل الشيخ ، الآن و قد مضي علي تلك الفترة ما يقارب ال ٣٠ عام ( دار هذا الحوار منذ ٤ سنين ) ، و في ظل التطوّر الاعلامي و عدم امكانية القيام بمثل هذه الاقدامات العسكرية من قبل حكومة طهران ، تهرّبا من اي ادانات دولية أو حفاظاً علي كاريزما الروح الاسلامية التي يريدون أن يصوّروا للناس بأنهم يتمتعون بها ،   أصبحوا و اتّباعا لسياسة التقية المتأصلة في مذهبهم الصفوي البعيد كل البعد عن الاسلام ، أصبحوا يسنون القوانين الّتي تحد من حقوق الانسان القومية باسم الدين و القانون و القيام بمشاريع اقتصادية و زراعية تقوم بسلب ثروات شعبنا العربي باسم الاصلاح الاقتصادي ، و هذا السلاح المستخدم من قبل نظام الملالي من أجل سد أبواب رزق ابناء شعبنا و الحد من النمو و التطوّر الثقافي الذي أصبح شبه مستحيل بسبب صعوبة التحاق أبناء شعبنا بالجامعات و المدارس اما لحاجتهم الي العمل من اجل كسب قوتهم اليومي ، أو لعدم قدرتهم علي الامتثال و الانخراط في مجتمع عنصري بغيض يعاملهم بنظرة استعلائية عنصرية و لا يسمح لهم بممارسة حريّاتهم الفردية،  لا يقل فتكاً عن تلك القذائف التي اطلقت علي احرار المحمرة عام ١٩٧٩  . يكمل الشيخ بأن هذه المجازر العسكرية أو الثقافية  دفعت بالكثير من ابناء الشعب الي الهجرة و الاقامة في البلدان العربية المجاورة أو البلدان الاوروبية و امريكا الشمالية ، و انخرط الكثير منهم في تلك المجتمعات مما دفع بعضهم لتبني التيارات السياسية في تلك البلدان ، و محاولة السير علي قناعات هذه التيّارات و محاولة تطبيقها علي مسيرتهم السياسية و هو أمر مكفول لهم وفقا لكل القوانين الانسانية و الدينية و الثقافية  ، لكن في بعض الأحيان ، تكون تلك الانتماءات سببا للفرقة بين الناشطين السياسيين الاحوازيين نظرا لاختلاف النهج الذي يسيرون عليه .. 
سألته مستغرباً عن تطرّقه الي هذا الموضوع و نبّهته الي انحرافه عن الموضوع الأساسي الذي كنت أتمني معرفة المزيد عنه ، و هو موضوع مجررة المحمّرة ، فقال لي :
بني ، علي الرغم من كلّ الاختلافات التي توجد بيننا علي الصعيد السياسي ، الا ان النظام الايراني ، لم يقم بمجزرة المحمرة أو المجازر الاخري لقمع توجهاتنا السياسية ، انما ضربنا لأننا عرب و مسلمين موحّدين .
علي رغم كلّ الاختلافات ، الا ان ما يجمعنا كلنا  هي العروبة ،و ان  وحدتنا و تكاتفنا مع ابناء شعبنا هو أقوي سلاح يخيف هذا النظام و هو أقوي عامل قوّة نمتلكه في الوقت الراهن.
كلامٌ عميق ، و نظرة استراتيجية واضحه من شخص لم يكمل تعليمه المتوسّط حتّي بسبب السياسات الفارسية ، لخّص لي كل الدروس التي يجب أن نتعلمها كأحوازيين من مجزرة المحمرة أو كل المجازر الثقافية و الاقتصادية التي تلتها . ان الاحتلال الفارسي لارضنا و رغم كونه يأخذ طابعا اقتصاديا في بعض الاحيان نظرا لكون الدولة الفارسية ، قائمة علي الثروات النفطية و الزراعية لارضنا و ذلك باعتراف المسؤولين الفرس  الا انّ هذا الاحتلال و رغم قِصَر مدّته مقارنة بتاريخ الاحواز العربية ، لم يأت من فراغ ، بل ان عداء الفرس للعرب ، أمر تاريخي لا علاقة له باقتصاد أو ثقافة أو ديانة ، و هو رغم تأثّره بالاحداث الدينية و الثقافية علي مرّ التاريخ ، ينبع من نظرة عنصرية استعلائية لهذه القومية ضد كلّ ما هو عربي ، بغض النظر عن الاسباب الاقتصادية او السياسية .و لا يخفي علي الاخوة العرب عموما و الاحوازيين بشكل خاص بأن كل سياسات حكومة طهران ، رغم كل المساعي التي تبذل من قبل الملالي من اجل تصويرها للشعب العربي علي انها سياسات اسلامية لا علاقة لها بالعنصرية الفارسية ، تفوح منها أنتن روائح الشوفينية الفارسية ، و انّها لا تكاد توفّر اي خطوة من شأنها تضييق الخناق علي القومية العربية في الاحواز بغض النظر عن الانتماء السياسي ، حتي و ان كان العربي الاحوازي مؤيداً لولاية الفقيه . و بإعتبار العروبة العدو الأكبر الذي يخشاه هذا النظام ، يجب علينا نحن كأبناء الاحواز و السياسيين و الناشطين في المنظمات الاحوازية ، أن نحارب هذا النظام بالعروبة باعتبارها أقوي دافع لتوحيد صفوفنا الّتي قد تفرّقها الانتماءات السياسية و الفكرية و الدينية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق