بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

السبت، 19 مايو 2012

في العراق.. الرأس المقطوع يتكلم



داود البصري
لعل طرائف و مبكيات العراق تتسابق في زمن الفوضى و التخلف المفرط الذي يعيشه البلد الذي قرر على مايبدو مقاطعة الحضارة و التحصن ضمن أبواب الدروشة وخلف ستائر التخلف و العدمية والعودة للماضي السحيق عبر الأفكار الخرافية الفجة و النظريات المنتهية الصلاحية منذ العصور الوسطى!
في الماضي القريب و أيام كنا أطفال وخلال الأعياد كانت تقام مهرجانات شعبية لألعاب سحرية عنوانها ( الرأس المقطوع يتكلم ) في إشارة للألعاب السحرية التي يقوم بها بعض الحواة، واليوم يبدو أن الحواة في ساحة العمل السياسي العراقي هم من يتصدر الموقف وهم من يقررون شكل وطبيعة المشاهد السائدة في الساحة العراقية المتعبة بالدماء والدموع و الآلام والقسوة في كل مناحي الحياة، ولعل ماحدث مؤخرا في مدينة النجف العراقية من إنتشار مروع لرواية خرافية حول ( طفل وليد يتكلم ) ويحذر من إنتشار رياح الموت مع الغبار الذي يلف أجواء العراق مالم يتم صبغ شعور الأطفال بمادة ( الحنة ) المعروفة جيدا لدى النساء في العراق هو مثال مريع لحالة العدمية والتخلف التي ضربت العراق من أقصاه لأقصاه في زمن باتت كل الكرة الأرضية وكل شعوب العالم تتطلع لإستقبال رؤى وتطلعات و آفاق حضارية جديدة بينما نرى العكس يحدث في العراق وبطريقة مروعة لاسابق لها، فقد كثر الحديث مؤخرا في البصرة مثلا عن وجود منطقة تصدر منها إشعاعات كما قيل حاولت بعض الأطراف تصويرها على كونها المنطقة التي حدثت فيها ( موقعة الجمل ) الشهيرة أوائل خلافة الإمام علي بن أبي طالب ( ع)!
وطبعا كان الموضوع كذبة سمجة أخذت أبعادا إستهوت عقول بعض البسطاء وإستغلالا للظروف الطائفية المريضة السائدة في العراق حاليا ولكن سرعان ماتبخرت تلك التفاهات مع شمس الحقيقة، وواقع التخلف السائد في العراق والذي جعل من نفاذ مادة ( الحنة ) من الأسواق الشعبية بمثابة عملية تجارية مربحة لبعض الدجالين عملية لاتنفصل بالأساس عن نظرية ( سيادة العمائم ) في العمل السياسي وحيث تحولت الساحة السياسية لكارثة ألقت بظلالها الثقيلة على الواقع الفكري والإجتماعي الذي شهد في القرن الحادي والعشرين وفي عصر الثورة المعلوماتية الكبرى ردة حضارية هائلة لاعلاقة لها أبدا بإنفتاح البلد بعد تخلصه من الفاشية البعثية التي كانت جاثمة على رقابه وعزلته عن العالم فترة ليست قصيرة من الزمن بل وزرعت بذور التخلف في العراق عن طريق ماسمي في حينه ب ( الحملة الإيمانية الكبرى ) عام 1994 التي رسخت مفاهيم التعصب الديني و الطائفي وأخرجت المجتمع العراقي من سياقاته الحضارية المعروفة وبإعتباره كان في طليعة الشعوب العربية تقدما وحضارة في القرن العشرين المنصرم فإذا به اليوم يقبع للأسف في آخر السلم الحضاري بعد أن أصبحت العدمية والخرافة هي العملة السائدة في العراق ليس على مستوى الشعب البسيط والفئات المعدمة منه بل على المستوى السلطوي أيضا، فقد ورث عرش الإستبداد البعثي البائد مجموعة من الأحزاب الطائفية التعبانة فكرا وسلوكا والتي يسعدها للغاية ويبهج مراجعها سيادة التخلف والفكر الظلامي لأن السيطرة على جماعات متخلفة أسهل بكثير من السيطرة على أهل الفكر والثقافة الذين لامحل لهم أبدا من الإعراب في دولة أمراء الطوائف العراقية المتناحرة وهي الأحزاب التي حققت ميليشياتها الضاربة ضرباتها الإرهابية والإستباقية ضد كل عقل يفكر وضد كل رمز ثقافي محترم، لذلك فلاصوت يعلو اليوم في العراق على صوت التخلف وعلى أصداء الروايات الخرافية كالطفل الوليد الذي يتحدث بفضائل الحنة قبل أن يموت!! أو قضية ( الجكليت ) السحري الشافي المعافي الذي تخصص بتوزيعه على مريديه أحد شيوخ الدجل والخرافة الذي له اليوم سوق شعبية رائجة في العراق؟ أو قضية ذلك ( الشيخ ) الآخر الذي جعل من بصاقه مادة دوائية تشفي العليل في ثلاثة أيام دون الحاجة لمراجعة طبيب مختص أو مشفى علاجي!!
وهي جميعها ليست تهيؤات حرافية بل حقائق ميدانية سائدة للأسف في عراق اليوم الذي تحكمه المجاميع الطائفية المختصة بالشفط واللهط والنصب على الذقون والعقول الخاوية بينما تركض نسوة العراق خلف الحنة للوقاية الصحية..!
ألم نقل لكم بأن الرأس المقطوع بات يتكلم اليوم في العراق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق