إنك على الحق فاثبت بقلم : فاضل الاحوازي

هانحن نزحف في مأساتنا شيئا فشيئا لنطرق أبواب قرن كامل من الزمن بكل ألم و حسرة و بكل غصة و مرارة، و نعض على ذلك كله بالنواجذ بكبرياء و سمو و رفعة و كرامة . في مثل هذه الأيام و قبل سبع سنوات طفح الكيل في أحوازي الطاهر و بلغ السيل الزبى حيث الإعدامات الميدانية و الإعتقالات التعسفية، حيث التشريد و التنكيل و الاستعباد و القهر و الحرمان. يا الله ما أصعب هذه الكلمات و ما أقساها عندما تخطر على البال أو تكتب على الورق فما بالك و هي تمارس على تراب وطني الطاهر و على أبناء شعبي المعروف بطيبته الفطرية لزمن تجاوز الخمس و ثمانين عاما . أقول في مثل هذه الأيام و قبل سبع سنوات خرج الأحوازي مطالبا بحقه الطبيعي في الحياة و المواطنة، في الهوية و الانتماء . خرج ليحشر الظلم في زوايا العتمة و يبتسم للنور القادم على أجنحة الحرية. و بهذه المناسبة و إذ ألقي التحية على هذا الأحوازي فإني أقول له: صباح الخير، صباح يوم يملأ القلوب ثقة بالنصر، و أملا بنيل الحرية ، صباح يوم معطر بدماء الشهداء و عزائم المعتقلين ، صباح الصبر الذي أنزل على قلب كل من فقد له عزيز أو غال ليحول الحزن إلى اصرار على المضي قدما و عدم التنازل عن الحق و نيل الحرية، صباح عبير الوطن الذي ينعم بالعدل دون التسلط، و بالأخوة دون العداوة و البغضاء، و بالحرية دون القهر و الاستعباد. و بعد التحية و لأنني احوازي معتق و لأن آلام الأحوازيين آلامي و آمالهم آمالي، و لأن ما يصيبهم من خير أو شر يصيبني، فإنني أنصح كل واحد منهم أن يربط على قدميه في ساح الوغى و لا يتزحزح عن مقعد القتال الذي أعده لنفسه و يثبت للقاء عدوه، أو أن يهرب إن استطاع إلى ذلك سبيلا، فليخرج من جلده و يتنكر لذاته و شرفه ، فان لم تستطع أيها الأحوازي الهرب و الخروج من الجلد فعليك أن تثبت ما دام في ثباتك نفخ جديد في روح كبريائك و كرامتك التي أهدرت باسم دين مشوه و مصطلحات مزخرفة لا انتهاء لها . أثبت اذا شعرت أن الأمل بالانفراج بدا ينسج خيوطه داخل قلبك و يخنق بقايا الخوف المعشعش في داخلك. أثبت إذا شعرت أن محبتك لقاتلك و مغتصب حقك غباء و لهفتك عليه غباء و هيامك به غباء ما بعده غباء. أثبت اذا شعرت أنهم مصدر حزنك و تعاستك و سبب تخلفك عن ركب الآدمية. أثبت إذا شعرت أن المنطق يرفض إحساسك،و أن قيمك ترفض إحساسك و بان نقاءك يرفض إحساسك. أثبت مادامك لم تقدر على الوصول لقلوبهم السوداء و كل محاولاتك في كسب محبتهم و ودهم لك باءت بالفشل. أثبت اذا ضاق عليك الحلم و ضاق عليك الأمل، و ضاق عليك النبض و ضاق عليك المكان و ضاعت ملامح الزمان في عينيك. أثبت إذا شعرت أنهم أكسبوك عادات الحزن و فتحوا قابليتك للألم و دربوك على الغبن و الانكسار و علموك البكاء بلا انتهاء . أثبت إذا شعرت أنك فجرت ينابيع الغرور في داخلهم و ضخمتهم إلى حد الانفجار و تقزمت أمامهم إلى حد التلاشي فاصبحوا بنظرك أضخم من أن يروك و أصبحت في نظرهم أصغر من أن تراهم. أثبت إذا لاحظت أنك بدأت تتلوث كي تصل اليهم و بدأت لا تشبه نفسك كي ترضيهم و بدأت ترقص فوق النار كي تبهرهم و بدأت تخون ذاتك كي يرضوا عنك. أثبت إذا أصبح ليلك في البعد عنهم نارا عظيمة و أصبح يومك معهم نارا أعظم و أصبحت تضاريس وقتك و ساعاته معاناة لا تنتهي . أثبت إذا اكتشفت أن شيئا ما في داخلك بدأ يموت و أن شيئا ما فيك بدأ يذبل كالورد المقطوف و أنك بدأت تنتهي كالسراب في آخر الطريق. أثبت إذا لاحظتهم يتلذذون بإذلالك و يتعمدون نكرانك و يقفزون فوق رفاة حلمك الجميل و كأنهم أصدروا حكما خفيا باعدامك. أثبت إذا شعرت بسمهم يسري في عروق قلبك أو اكتشفت خنجرهم الغادر في ظهرك المطمئن إليهم. أثبت إذا سمعتهم يتهامسون بما ليس فيك و يلصقون بك من التهم ما لا تعلم و يقذفونك بالباطل و يرمون براءتك بذنب الذئب. أثبت إذا أصبح إحساسك فانوسا مشتعلا في عينيك و أصبح صوتك المرتعش لا يعبر عنك و أصبح صمتك المصطنع لا يسترك. أثبت اذا طال انتظارك في محطات الزمن و لمحت قطار أيامك يمر أمام ناظريك كالجواد الجامح و شعرت بأن لا شيء بقي معك إلا الإحساس بالضياع. أثبت اذا شعرت بانهم أصبحوا يتعمدون إساءة فهمك و يمزقون تاريخك و يشوهون مجد أجدادك. لهذا كله و لأنك عربي من الأزل الى الأبد و لأن اصلك ثابت و فرعك في السماء و لأنك الشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين سوف تثبت و سوف تبقى، ولأنهم لا يمرون على التاريخ إلا خفية بين الكلمات أو بأسماء مستعارة أو مسروقة، و لأنهم شجرة خبيثة ستجتث من فوق الأرض و ما لها من قرار، فانهم سيمضون كما مضى البغاة من قبلهم. فاضل الاحوازي ...ahwazi_fadel@yahoo.com هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته