بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الأحد، 8 أبريل 2012

أبناء النفط و مدينة الصفيح بقلم:فاضل الاحوازي

أبناء النفط و مدينة الصفيح

هل رأيتم ابتسامة الأطفال البريئة،‮ ‬خصوصا في‮ ‬يوم العيد وهم‮ ‬يرتدون ملابسهم الجديدة؟ وهل رأيتم كيف‮ ‬يلعبون ويسرحون ويمرحون في‮ ‬الحدائق والملاهي‮ ‬برفقة أبويهم؟ كم هي‮ ‬جميلة قهقهتهم وهي‮ ‬تطرب أسماع والديهم إلى حد الانتعاش وكم جميل رجوعهم من المدارس وهم‮ ‬يطرقون الباب بأياديهم الصغيرة وابتساماتهم خلف الأبواب وشوقهم لرؤية أمهاتهم ورؤية أمهاتهم لهم وهذه الابتسامات تزين دنيا الطرفين في‮ ‬حياتهم اليومية،‮ ‬لكن خالد الصغير ذا ألاثني‮ ‬عشر ربيعا كان لا‮ ‬يضحك في‮ ‬يوم العيد ولم‮ ‬يكن في‮ ‬حديقة المدينة ولا في مدينة ‮‬الملاهي‮ ‬كي‮ ‬يلعب ويمرح،‮ ‬بل كان تحت عمود الإنارة في‮ ‬أحد أكبر شوارع المدينة مدينة النفط والغاز،‮ ‬مدينة الأحواز،‮وكان الجو وقتها يشوي البعير ولاكن أيادي خالد كانت تصطدم وتلامس الحرارة الجهنمية لحديد أجسام السيارات (اليودي) وهو يمسح الزجاج وكان الحديد يذوب خجلا لحرارة أيادي هذا الصغير المكافح وهو في ريعان العمر ‬كان محروما من نعمة الأب وكانت عيناه تفضيان من الدموع،‮ ‬حينما‮ ‬يرى صبيا في‮ ‬عمره ماسكا بيد أبيه ويتمشيان على رصيف الشارع‮ ‬يتحدثان عن الهدايا عند النجاح وكم كان‮ ‬يتحسر عندما‮ ‬يسمع صوت جرس المدرسة وهو‮ ‬يرن،‮ ‬وكم كان‮ ‬يتألم حينما‮ ‬يرى من في‮ ‬عمره‮ ‬يحملون حقيبة كتبهم،‮ ‬وبعد جولة في‮ ‬عالم الخيال كان‮ ‬يوقظه صوت‮ »‬هرن‮« ‬السيارات عندما تضاء الإشارة الخضراء،‮ ‬وكانت قامته لا تطول زجاج السيارات فكان‮ ‬يحمل معه صفيحة مكعبة كي‮ ‬يقف عليها ليطول زجاج السيارات التي‮ ‬تقف عند الإشارة كي‮ ‬يمسح زجاجها عندما تكون الإشارة حمراء،‮ ‬وهكذا كان‮ ‬يدير أمور حياته وحياة أمه الكفيفة وأخته الصغيرة التي‮ ‬لم تذهب إلى المدرسة فكان خالد الصغير هو الذي‮ ‬يدير شؤون عائلته المعيشية،‮ ‬وفي‮ ‬ذات‮ ‬يوم عندما كان سائق التاكسي‮ ‬أحمد في‮ ‬المطعم الذي‮ ‬كان قريبا من الإشارة بجانب محل دوام خالد الصغير،‮ ‬وطلب ساندويتش للإفطار وعندما فتح فمه لأول لقمة لاحظ إن هناك من‮ ‬يشاهده من خلف الزجاج بعينين تختلفان عن باقي‮ ‬العيون ليس بالشكل والمنظر بل بما تحكي‮ ‬عينه عن معيشته وعائلته المسكينة وبعدما دقق النظر فيه نادى أحمد لخالد تعال‮ ‬يا بني‮ ‬فقال خالد من خلف الزجاج أنا؟ قال له أحمد بهزة رأسه نعم فدخل خالد وقال له احمد بعد السلام الحار ما اسمك؟ فرد خالد،‮ ‬ولما رأى أحمد ما على الطفل من حال ومن رداءة ملابسه ظن انه شحاذ فمد‮ ‬يده في‮ ‬جيبه كي‮ ‬يخرج مبلغا بسيطا من المال ليعطيه إياه ثم قال تفضل‮ ‬يا ابني،‮ ‬لكن خالد رفض وقال أنا لست شحاذا،‮ ‬عندها تأسف احمد وقال له آسف‮ ‬يا بني‮ ‬لم‮ ‬يكن قصدي‮ ‬الاهانة وسأله هل أنت جوعان؟ فرد خالد لا،‮ ‬فرد عليه أحمد انك جوعان ولكنك تكابر فسكت خالد وطأطأ رأسه وقال أنا لست جائعا بل أختي‮ ‬الصغيرة جائعة وقالت لي‮ ‬قبل أن أخرج إلى دوامي‮ ‬المعتاد عند رجوعك للبيت احضر لي‮ ‬معك ساندويتش وأنا واقف من الصبح هنا ولم أحصل على ثمن الساندويتش كي‮ ‬أشتريه لأختي،‮ ‬انقلب الساندويتش في‮ ‬فم أحمد إلى سم زعاف من شدة القهر بعدما سمع هذا الكلام،‮ ‬وقال له أين منزلكم؟ قال له‮ ‬خالد في‮ ‬قرية‮ (‬صياحي‮) ‬في‮ ‬مدينة الصفيح قال أحمد عرفت المكان وسأله كم عدد العائلة؟ رد خالد بكل براءة أنا وأختي‮ ‬وأمي،‮ ‬قال احمد وأبوك؟ فأنزل برأسه ثانية وقال ليس لي‮ ‬أب فلم أر وجه أبي‮ ‬طيلة حياتي و كل ما سالت أمي عن أبي ترد قائلة والآهات تحرق صدرها أبوك شهيدا وبطل وصراحة لا اعرف حاليا لماذا أبي استشهد ربما عند ما اكبر.. ‬فتفحم قلب احمد وطلب ست ساندويتشات،‮ ‬وأخذ بيد خالد وأركبه السيارة وقادها إلى مدينة الصفيح وعندما وصلا بعد مشقة وكأنهما قطعا طريق الحرير إلى سمرقند وصلا إلى بيت خالد وهو عبارة عن برميل لتخزين المياه وغرفة مربعة من الصفيح واللوازم الأولية للمعيشة وطرقا الباب ودخلا فركضت أخت خالد كي‮ ‬تحضن أخاها وفرحت عندما رأت الساندويتش ولكن أحمد بكى عندما رأى أم خالد الكفيفة وسلم عليها وقال‮: ‬يا أختي‮ ‬يا أم خالد أنا كواحد من إخوانك وأمانة الله إذا احتجتم لأي‮ ‬شيء فأنا تحت أمركم،‮ ‬وعندما كان‮ ‬ينظر من الفتحات التي‮ ‬توجد بين الصفيح قال استودعكم الله وتركهم وخرج وترك خالد بمدينة الصفيح وهناك الآلاف مثل خالد من أبناء النفط في‮ ‬هذه المدينة..فاين الذي قال هذه الثورة قامت من اجل اهل الصفيح والمستضعفين؟



فاضل الاحوازي ahwazi_fadel@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق