بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

إنقاذ "امبراطورية" إيران من بوابة لبنان

كتبت صحيفة "المستقبل": تعيش إيران حال قلق متعاظم لم يسبق أن عاشتها منذ
انتصار الثورة الخمينية في العام 1979، مردّه الى المتغيرات التي فرضها الربيع العربي، الذي جعل المشروع الإيراني في وضع متقهقر،بعدما كان يشهد انتشاراً كبيراً سواء في العالم العربي أو في المنطقة ككل. هذه الحال أخذت أبعاداً دراماتيكية بعدما بدأت رياح التغيير تضرب سوريا، وتزعزع البنية الفولاذية لنظام آل الأسد، الذي كان لإيران دور أساسي في بنائه وتثبيت أركانه على مدى العقود الثلاثة الماضية، وترسيخ دعائم الدولة البعثية بمجازر حلب الشهيرة مطلع ثمانينات القرن الماضي.
هذا القلق المبرر بالنسبة إلى حلم الإمبراطورية الفارسية، حمله رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني الى دمشق وبيروت في زيارته الخاطفة لهاتين العاصمتين، والتي تركزت على أمرين أساسيين، الأول رفع معنويات الحلفاء في سوريا المتصدعة بفعل تسارع الأحداث السورية ميدانياً، وفقدان نظام بشار الأسد السيطرة على الأرض منطقة بعد أخرى، وإخفاق "حزب الله" الذي زج بأكثر من نصف قدراته البشرية والعسكرية في أحداث سوريا في استعادة موقع عسكري أو أمني واحد من عشرات المواقع التي حررها الثوار، ليس في حلب وجبل الزاوية وإدلب ودمشق فحسب، إنما في منطقة القصير المتاخمة للحدود اللبنانية، والثاني محاولة إيران استثمار "انتصار غزة" وتجيير هذا النصر لحسابها، بعد أن قدّم المسؤول الإيراني بلاده من بيروت، كراعية لكل حركات التحرر ليس في المنطقة وحدها، إنما في العالم كلّه.
لا شكّ في أن زيارة لاريجاني لبيروت، تحمل في طياتها أيضاً رسائل الى الداخل اللبناني لم يكشف عن فحواها بعد بسبب اقتصار لقاء هذا الضيف على رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وممثلي الفصائل الفلسطينية في لبنان، لكن الدلالة الأوضح أنها تأتي غداة احتفال لبنان بالذكرى الـ69 للاستقلال، وتزامنها مع الرسائل الصاروخية التي مرّت عبر بريد الجنوب من دون أن تحقق غرضها، أو التي ربما أريد لها أن تبقى رسائلها محدودة عند حدّ التلويح بفتح جبهة لبنان في أي لحظة، وفق التطورات الميدانية في سوريا ووفق ما تقتضيه ظروف مساعدة الحليف بشار الأسد وإن على حساب تدمير لبنان مرة جديدة.
المراقبون يقرأون في هذه الزيارة محاولة للتقليل من خسائر المشروع الإيراني الآخذ في التصدع، ويرى هؤلاء المراقبون أن المشروع الإيراني الذي عُرف في السنوات الماضية باسم "الهلال الشيعي" الممتد من مدينة قمّ الى العراق وسوريا فلبنان وصولاً الى غزّة في فلسطين، والذي تطور لاحقاً ليتمدد في دول الخليج العربي ومصر ومنها الى المغرب العربي عبر ما يعرف بحركة التشيّع في هذه البلدان، التي رصد لها النظام الإيراني مليارات الدولارات، في حين ترك شعبه يجوع في الداخل، يشهد اليوم تراجعاً دراماتيكياً، بفعل الثورات العربية التي حوّلت الحلم الإيراني الذي كان قريب المنال، الى أضغاث أحلام والى مجد ضائع تبددت معه كل الخطط التي كانت ترسمها دوائر القرار في طهران لهذه الدول.
ويذكّر المراقبون بأن الثورات العربية التي انطلقت من تونس وامتدت الى مصر وليبيا واليمن، والتي سارعت طهران الى حمل لوائها، ورفع "حزب الله" في لبنان لها آيات التبريك، وأقام لها مهرجانات الدعم والتأييد، لم تلبث أن أصابت نظام الولي الفقيه بالخيبة، لأن نتائج الانتخابات الحرّة التي جرت في هذه البلدان وسط رقابة دولية حيادية، أفرزت أنظمة تقف على طرف نقيض مع النظام الإيراني، لا بل إن بعضها يناصبه العداء، وهو ما دفع بمسؤولين إيرانيين أكثر من مرّة الى القول إن الثورات في هذه البلدان تحتاج الى ثورات مضادة، بمعنى أوضح إن الثورات المشار اليها والتي نجحت حتى الآن، لم تقتلع أنظمتها، إنما اقتلعت أيضاً النفوذ الإيراني الذي كان يتمدد في شرايينها عبر بعض الجماعات والتنظيمات الممتلئة بالمال النظيف.
غير أن شرارة الثورة السورية التي أشعلت لأول مرة في مدينة درعا في 15 آذار من العام الماضي، والتي امتدت الى كل مدن وبلدات سوريا كالنار في الهشيم، كانت بمثابة القشّة التي قصمت ظهر الحكم الإيراني، ذلك أن هذا الحكم كان مطمئناً الى أقصى الحدود بثبات نظام حليفه بشار الأسد، بإعتباره نظام ممانعة ومقاومة، ومتصالح مع شعبه، من دون أن يكلّف أحمدي نجاد خاطره ويسأل شعب سوريا ماذا قدّم له نظام الممانعة المزيفة، غير سلب إرادته وحريته وكرامته؟، وهل أدت إصلاحات بشار المزعومة إلا الى إعادة السوريين الى مجاهل التاريخ، والى العبودية المقنّعة؟، وهل ترجم الأسد إصلاحاته التي وعد بها لدى تنصيبه في الحكم خلفاً لوالده قبل 11 عاماً، سوى بزجّ الأدباء والمفكرين وأصحاب الرأي في السجون ونفي من تبقى منهم؟، وهل سأله ماذا قدم للجيران والمحيط غير الاغتيالات في لبنان والسيارات المفخخة وتصدير الإرهابيين الى العراق؟، وهل كان يوفر من مخططاته المقامات الدينية المقدسة عند الطائفة الشيعية بالدرجة الأولى والمفترض أن تكون مقدسة لدى نجاد والولي الفقيه أيضاً؟، هل نسي نجاد أن صنيعته نوري المالكي الذي نصّبه حاكماً في العراق هو من طالب يوماً بإحالة بشار الأسد ونظامه على المحكمة الجنائية الدولية بعدما تثبّت أنه هو من يزعزع أمن العراق ويقف خلف كل هذه التفجيرات؟.
كل هذه التطورات المتسارعة تفسّر القلق الإيراني المتزايد، والذي ترجم بزيارة لاريجاني في هذا التوقيت الدقيق، باعتبار أن هناك سؤالاً مركزياً لم تجد له طهران جواباً شافياً، وهو ماذا بعد سقوط بشار الأسد؟، وكيف تتواصل مع أذرعتها الأمنية والعسكرية في لبنان عندما تدق ساعة رحيل الأسد وحكمه عن سوريا؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق