بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الأربعاء، 17 يوليو 2013

إيران السوفياتية وبريسترويكا روحاني بقلم: مصطفى فحص

لا يختلف مشهد تدرج الشيخ حسن روحاني في المناصب الحكومية وصولا إلى سدة
الرئاسة الإيرانية كثيرا عن الصعود السريع في المواقع الحزبية منذ 1979 لعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي ميخائيل غورباتشوف الذي عين سنة 1985 سكرتيرا عاما للجنة المركزية للحزب، أي المنصب الذي يعادل رئاسة الدول السوفياتية.
تسلم غورباتشوف السلطة والجيش الأحمر السوفياتي غارق في وحول أفغانستان، عاجز عن حماية العاصمة الأفغانية كابل من ضربات المجاهدين، مما تسبب في استنزاف وإرهاق القوات المسلحة السوفياتية وتكبيدها خسائر بشرية لم تتكبدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية..
وفي مطلع الثمانينات ومع وصول رونالد ريغان إلى البيت الأبيض قررت القيادة السوفياتية دخول سباق التسلح وبدء مشاريع تطوير استراتيجي، كانت واشنطن قد أوهمتها بحرب النجوم وغذت عقدتها في التفوق التقني، فأرهقت القيادة خزينة الدولة جراء عملية إنفاق ضخمة غير مسبوقة، لبناء أضخم محطة فضائية دائمة «مير» تم إطلاقها في 1986.
في معركة الحفاظ على النفوذ بالغت القيادة السوفياتية في الإنفاق على ضرورات الصراع مع الغرب، وتمكنت عبر حلف وارسو من بسط نفوذها في جمهوريات الاتحاد السوفياتي، إضافة إلى دول المنظومة الاشتراكية في أوروبا والمجموعة الاشتراكية في آسيا وأفريقيا، وصولا لأميركا اللاتينية، وهي غالبا مجموعة من الدول الفاشلة اقتصاديا بسبب تداعيات فشل النموذج الاشتراكي عاشت على المساعدات الروسية التي كانت تقتطعها القيادة السوفياتية من حصة المواطن الروسي.
تمكن غورباتشوف من مواجهة الحرس القديم والمجموعة الحديدية من ورثة الزعيم السوفياتي السابق أندروباف ومراكز القوة العسكرية والأمنية والحزبية، مستفيدا من عمق خلافاتها وصراعها على السلطة والنفوذ وعدم قدرتها على توصيل أحد رموزها إلى قيادة الدولة والحزب ووقوعها في فخ التجاذبات المناطقية والقومية والدينية، فكان أن استبعد حيدر علييف «الأذري الشيعي» قائد «كيه جي بي» من المنافسة واختير السلافي الأرثوذكسي المغمور غورباتشوف.
في المشهد الإيراني يتسلم روحاني موقعه وإيران تعيش أزمة اقتصادية لم تشهدها منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، فقد تجاوزت نسبة التضخم 30 في المائة، وبلغت نسبة البطالة قرابة 35 في المائة، وتشير الأرقام والمعلومات إلى وجود نقص حاد في بعض المواد الأساسية في الأسواق مثل الورق، وعجز سوق الدواجن عن تأمين احتياجاته بما يفوق 60 في المائة واختفاء أكثر من 400 صنف أساسي من سوق الدواء، كما طالت العقوبات الأخيرة أكبر مؤسسة إيرانية لصناعة العربات والسيارات «إيران خودرو» التي تشغل قرابة نصف مليون عامل وتتعامل مع نحو 400 ألف من الأيدي العاملة التابعة لجهة صناعية وتجارية، هذا إضافة إلى التراجع الكبير في سوق النفط حيث هبط إنتاجها إلى ما دون 50 في المائة تقريبا، الأمر الذي يكلف طهران خسارة تقدر بأكثر من 80 مليون دولار يوميا.
الحرس الثوري بهيئاته الاقتصادية والصناعية لم ينجح في الالتفاف على العقوبات وتداعياتها، فلم تتمكن شركة «الرسول الأعظم» التي يمتلكها الحرس من تعويض خروج الشركات الأجنبية التي احتكرت مشروع خط نقل الغاز شيراز ـ حيدر آباد، الذي ينقل الغاز من حقل بارس إلى الموانئ الهندية، حيث وقعت طهران ضحية الابتزاز الهندي، إذ إن نيودلهي عملت على شراء المواد النفطية مخترقة بذلك العقوبات الدولية، لكنها عند سداد المستحقات تقوم بتطبيق توصيات وزارة الخزينة الأميركية فتسد جزءا من المستحقات على شكل بضائع تختارها الهند، وليس من الضروري أن تكون ضمن حاجات طهران وتحتفظ بنحو 40 في المائة منها في البنوك الهندية، تحت حجة عدم القدرة على تحويل الأموال إلى البنوك الإيرانية.
في المقابل، تتابع طهران عملية إنفاق هائلة على مشاريعها النووية واختبارات غزو الفضاء ومشاريع باليستية من ضمن سباق التسلح، إضافة إلى تكاليف دعمها المالي منذ أكثر من عامين لنظام بشار الأسد والتي تجاوزت 13 مليار دولار، هذا عدا ميزانية حزب الله السنوية وميزانيات دعم جماعات انفصالية مثل الحوثيين في اليمن وبعض الأطراف في الحراك الجنوبي اليمني وقوى وأحزاب عراقية وأجنحة عسكرية كعصائب أهل الحق وحزب الله بالعراق، وفصائل فلسطينية والنظام السوداني وجماعات مسلحة في أفغانستان وبعض قوى المعارضة الأذربيجانية!! وبناء عليه، يبدو أن طهران تحاول لعب دور الإمبراطور في أصعب المناطق تعقيدا في العالم، وتنوي رسم خارطة سياسية جديدة في هذه المنطقة ترسخ فيها نفوذها ودورها لتتسنى لها ممارسة دور ما فوق إقليمي يكرس سيطرتها ويجبر بقية اللاعبين على الاعتراف بها.
إيران إذن لم تقرأ تجربة جارتها السوفياتية جيدا، لهذا هي تقع في الفخ الأميركي، وهي تواجه الآن أفغنة سوريا، وسحب من أمامها مشروع الحوافز، إضافة إلى إهمال واشنطن لورقة التعاطي المباشر معها في الملف العراقي، وتركها مكبلة بعقوبات اقتصادية تقربها من الانهيار الاقتصادي في لحظة يصعب فيها التنازل.
سقط السوفيات في وهم الصراع مع الإمبريالية الغربية، فعادوا من أفغانستان مهزومين، وأوقعهم سباق التسلح والإنفاق الآيديولوجي في قبضة البنك الدولي ونادي باريس، فجروا قروضا مكلفة بين 1985 إلى 1989، وحققوا عجزا في الميزانية وفقدانا للسيولة انعكس على سائر الأمور المعيشية والحياتية للمواطن السوفياتي.
إيران في طريقها إلى السقوط في هذا الوهم إذا استمرت في سياسة المواجهة والإنفاق، خصوصا أنها تعيش في محيط معاد مرتاب من تدخلاتها في شؤونه المحلية، وتستنزف قواها في معركة مفتوحة في سوريا، المستفيد الأكبر منها هو الغرب.
كل هذه الملفات الصعبة مطروحة على طاولة حسن روحاني، علما بأنه إذا باشر العمل فسوف يواجه خصوما داخليين متأهبين لاستخدام كل الأسلحة من أجل الدفاع عن نظام مصالحهم، أما الخصوم الخارجيون فهم يترقبون التطورات الداخلية ليبنوا عليها مواقفهم.
فهل إيران جاهزة للتحول؟.. وهل الداخل المتحكم يسمح لروحاني بالتحرك خاصة إذا كان روحاني بانتظار نفس الانتكاسة أو ما يشبهها التي استغلها غورباتشوف وفرض من خلالها موقفه الإصلاحي ونادى بالبريسترويكا لأن المجتمع السوفياتي كان يرغب في هذا التغيير بعيدا عن نتائجه؟
روحاني هو غورباتشوف اليوم، سرعان ما سوف يجد نفسه أمام خياري مواجهة كي يحتوي هذه الأزمات، فعليه أن يواجه الداخل وهذه مخاطرة، أو أن يتواجه مع الخارج وهذه مغامرة، فيما عيون الناخبين الإيرانيين على خطوة جريئة كتلك التي فعلها غورباتشوف لكن بنكهة وخصوصية إيرانية، وهنا التحدي.
* زميل سابق في معهد العلاقات الدولية بموسكو
نقلا من ((الشرق الاوسط اللندنية))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق