بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الاثنين، 31 أكتوبر 2011

التعصب القومي الفارسي المحرك الرئيس لعلاقة إيران مع دول الخليج والسعودية بقلم : علي البلوي


 


السؤال الذي يطرح نفسه: هل ما زال التاريخ فاعلا في محطات الصراع الفارسي - العثماني؟ وهل الخميني أراد أن يكون أتاتورك جديدا وبزي جديد لإيران كنتاج جديد لهذا الصراع التاريخي؟ ولماذا استعدت إيران العرب؟ وهل ما زالت تنظر إليهم كرعاة وبدو، وهي تعيش مرارة الهزيمة التاريخية، وقد تجرعت السم في حربها على العراق؟ ولماذا أقصت إيران الصفوية كل مراكز الاعتدال الثقافي والديني والسياسي في إيران؟ وهل ترى طهران نفسها وبنموذجها الثوري المعمم مجالا للتطبيق ومجالا للتصدير لمواجهة الإسلام السياسي والمدني التركي الذي يقوده حزب العدالة ويتزعمه رئيس الوزراء التركي أردوغان؟

جاءت كلمات الأمير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، حول إيران وتربصها بأمن المملكة واستقرارها جانبا من عملية الأوراق الكاشفة للخدع الدبلوماسية الإيرانية الساعية إلى فتح صفحة جديدة مع السعودية، وتوسط لتحقيق ذلك كل من الرئيس الباكستاني زرداري ورئيس الوزراء الباكستاني، وكانت الرياض واضحة كالعادة، عودة العلاقات تحتاج إلى أن تجيب طهران عن الأسئلة السعودية حول التدخل الإيراني في الشأن السعودي والخليجي والعربي، وحول دعم الإرهاب، ومد النفوذ، ودعم الجيوب في المنطقة، وما يتعلق بالموضوعات السياسية، فإن الاختلاف فيها لا يفسد للود قضية، وكانت السعودية، واضحة في رفضها كل المبررات الأمريكية في ضرب إيران عسكريا، وفي دعم القوميات الإيرانية، لكن إلى متى ستبقى السياسة السعودية بهذا الوضوح في وقت تزداد فيه إيران غموضا، وتعمل بالضد من المملكة ودول الخليج وتتدخل في أمنهما الوطني؟ فثمة خطوط حمراء سعودية لا تقبل التجاهل ولا التعامل وعلى طهران أن تجيب، هل تحركها القيم والمثل والأخلاق الإسلامية، أم أنها ما زالت ترتكز على مقومات صفوية وأحلام فارسية؟

كنت ولفترة قريبة اعتبر إيران دولة إسلامية مهمة في عالمنا الإسلامي، وبلا شك فإن في إيران نخبا فكرية وإسلامية حقيقية، غير أنك عندما تطابق بين الفكر والتطبيق تجد أن ثمة مسافة بعيدة وملبدة بالغيوم، والمصالح الضيقة، وتجد ذلك لدى المسؤولين الإيرانيين تحديدا، وإن كانوا على ثقافة واطلاع، وقد التقيت العديد منهم في مؤتمرات مختلفة، وبعض مفكريهم فيه الرقة والطبع الجميل، لكن ما يسيء لهذا هو كل ما له علاقة بالسياسة، حيث تجد أن ثمة تصميما سياسيا، لا يمكن فهمه إلا في إطار المعادلة الصفوية، والسياسة الصفوية كمحرك وباحث ومرشد للعمل السياسي.

وهنا لا أنطلق من تفصيلات بعض المحللين المقربين من دوائر التحليل الاستخباراتي، إنما أشهد بذلك بناءً على معطيات عديدة، جعلتنا كجيل نفرح بقيام الثورة الإيرانية، ونصاب بالخيبة والفشل عندما قرأنا كامل مؤلفات الإمام الخميني، ومؤلفات علي شريعتمداري، والدكتور موسى الموسوي حول الثورة البائسة، ومؤلفات أحمد الكاتب، و''تاريخ إيران السياسي'' لآمال السبكي، و''تاريخ الدولة الصفوية'' لمحمد سهيل طقوش، وابتدأ من التاج الحيدري، وهو قلنسوة حمراء منقسمة إلى 12 جزءا، ما دعا العثمانيين إلى تسميتهم القزلباش (أصحاب الرؤوس الحمراء)، وكان الشاه إسماعيل الأول قد اتخذ من الاثنى عشرية مذهبا لإيران، وكان السنة محيطين بإيران كالمعصم (الأوزبك من الشرق والعثمانيون من الغرب)، ولهذا كان الشاه بعد احتكاره تجارة الحرير يصدرها عبر الخليج العربي لكي لا يدفع رسوم العبور للعثمانيين والأوزبك، بينما كانت مساعداته على الصمود في وجه العثمانيين نابعة من تعامل سري مع روسيا وبريطانيا وشركة الهند الشرقية والهدف محاربة الدولة العثمانية، فقد سعى الصفويون لتأكيد نسبهم لآل البيت رغم أن الحقائق التاريخية تؤكد أنهم من أذربيجان، وهم من أصل آري قديم، وهذا ينكر عليهم صلة يدعونها بالإمام موسى الكاظم.

بعد ثورة الخميني 1979 التي حصلت على مساعدة فرنسية كانت ثمة أوضاع في إيران تشبه ما ساد في مصر قبل مبارك، فثمة أرضية للاحتجاج والثورة، لكن ما جرى أيضا يدفعنا للوقوف أمام ما جاء في كتابين مهمين، الأول كتاب ''الجمهورية الثانية'' للدكتور موسى الموسوي (من المقربين للخميني) الذي يؤكد فيه أن الخميني هندي الأصل ويتبع الطائفة السيخية وأنه أسلم للزواج من ابنة تاجر مسلم اسمها طاهرة، ويحمل اسم سينكا قبل أن يكنى باسم مصطفى، وأن شقيق الخميني الأكبر يدعى بسنديدة وظل على ذلك حتى توفي، وقد قدم الخميني من كشمير، وبحسب بلال الهاشمي، وهو باحث عراقي متخصص في المجتمع الديني الإيراني، يرى أن الإمام الخميني لم يتحصل على لقب نائب الإمام؛ لأنه تحصل على لقب آية الله لسبب سياسي وليس دينيا، حيث كان الآيات لا يخضعون لحكم الإعدام في إيران، ولأن الخميني صدر بحقه حكم الإعدام عام 1963 فقد تمت تزكيته لهذه الغاية كي يفلت من العقاب. والكتاب الآخر هو كتاب ''أسرار وعوامل سقوط إيران'' - مجرديج، الذي يروي فيه عن وزير خارجية بريطانيا لورد ويورد وفي إحدى الجلسات السرية في السفارة البريطانية في طهران في 11 تشرين الأول (أكتوبر) 1914 قال: ''هناك أقوى جهاز متنفذ في إيران ونحن نثق به وهو طبقة رجال الدين الشيعة، ومن حسن الحظ أن هذا الجهاز لنا ولا يزال لنا، وهم لا يتوقعون الكثير منا، وكلما لزم الأمر سندخلهم إلى الميدان وعندما نشاء يمكننا إعادتهم إلى بيوتهم ومساكنهم مرة أخرى''.

ويقول هوارد جونس الوزير البريطاني المفوض ''هناك طبقة متنفذة أخرى - غير البلاط الملكي والمناصب الحكومية في إيران يجب أن نحمي تلك الطبقة وهم علماء الشيعة ومشايخها وهؤلاء يملكون أوقافا كثيرة ونحن (الإنجليز) يجب أن نرسل عددا من الأسياد (السادة أصحاب العمائم السوداء الذين قبلوا فيما بعد جباه جنود الاحتلال) والآيات والملالي والدراويش، من الهند إلى المراكز الدينية للشيعة وأماكنهم المقدسة التي يتبرك لديهم بها، لندير بالتدريج هذا الجهاز المهم، وهو طبقة رجال الدين، لنديره في إيران كما نريد نحن''.

لسنا بصدد إعادة كتابة تاريخ جديد لإيران، لكن لا تفهم إيران اليوم إلا بالاسترشاد بالتاريخ، والتاريخ مملوء بالأخطاء، غير أن الغلو الديني والسياسي الإيراني الحالي يكشف عن جذور عميقة للظاهرة الدينية الإيرانية، ويكشف مدى ارتباطها بالأيديولوجيا الصفوية. وبحسب كتاب ''الدولة الصفوية وأثرها في العالم الإسلامي'' يرى الكتاب أنها ''كدعوة ومنهجية أيديولوجية ظلّت حية في نفوس المرجعيات، التي اتخذت من الحوزات العلمية محضنا، للحفاظ على تلك المنهجية وغرسها في النفوس''.

ويشير علماء التاريخ إلى أن الدولة الصفوية أسهمت مساهمة كبيرة في إضعاف الدولة العثمانية السنية، وكان من أبرز العوامل التي حدَّت من الفتح الإسلامي لكون الدولة العثمانية اضطرت إلى درء الخطر الصفوي في زمن السلطان العثماني سليم الأول الذي وجه صفعة قوية للصفويين في موقعة جالديران الشهيرة، ويشير الدكتور زكريا بيومي وهو متخصص في التاريخ، إلى أن الصفويين لم يركزوا جهودهم مع إخوانهم السنة في إطار الدولة الإسلامية لمحاربة الأعداء في الأندلس، ومع تنامي الدورين الروسي والأوروبي آنذاك بل أججوا الصراع المذهبي، في وقت تفرد فيه العثمانيون بالمقاومة على مختلف الجبهات الأوروبية شمالا وغربا والمذهبية الصفوية شرقا،. ويروي بيومي أن الشاه إسماعيل الثاني حاول أن يقترب من الدولة العثمانية ويحارب معها غير أن بعضا من علماء الصفوية رفضوا ذلك وعملوا ضدا منه، ولما رفض الخضوع لهم وواصل محاولاته لإقناعهم بأهداف توجهه، وما قد يؤدي إليه من تلاقي المسلمين وتوحدهم، كادوا له ودبروا حتى تمكنوا من قتله وهو لم يزل صغيرا وفي بدايات حكمه، ويؤكد بيومي أن ذلك يشير إلى وجود معتدلين من الشيعة، من الممكن أن يشاركوا في التقارب أو التلاقي المذهبي الديني، إلى جانب متعصبين يغلّبون البعد القومي على حساب البعد الإسلامي في علاقتهم مع الجناح السني، ويخلص لنتيجة يؤكد فيها أنه ''وبغض النظر عن الدوافع والأهداف التي تقف وراء هذا التوجه، الذي يسهم في تعميق العداء بين جناحي العالم الإسلامي، والمدعوم من أعدائهم، إلا أن الغلوّ القومي الإيراني والغلوّ المذهبي كذلك، حقيقة واضحة تشكّل أساسا في التكوين الثقافي للإيرانيين، بالشكل الذي قد يسهم في تحديد وتوجّه سياسة قادتهم تجاه العرب أو غيرهم من العالم السني''.

وبحسب الدكتور مصطفى اللباد في معاينته لأسباب وجذور الصراع الفارسي العثماني الإيراني - التركي يقول اللباد: ''لقد اتخذت العلاقات بين البلدين أشكالا دراماتيكية حين قامت الحروب المتعاقبة بين الدولتين في القرون اللاحقة، وأبرمت المعاهدات لتثبيت حدود البلدين واعتراف كل منهما بالآخر حاميا لأحد المذاهب الإسلامية (إيران للشيعة والسلطنة العثمانية للسنة)، وهو الأمر الذي تم تثبيته في معاهدات بين البلدين مثل معاهدة زهاب الموقعة عام 1639. ومن يومها أصبح هناك بعد عقائدي للصراع على النفوذ في المنطقة بين الدولة الإيرانية الشيعية والدولة العثمانية السنية ومن بعدها وريثتها الجمهورية التركية''.

والسؤال الذي يطرح نفسه دائما: لماذا كانت طهران وإلى اليوم على صراع مبطن مع إسطنبول؟ ولماذا وجدت في منطقة الخليج العربي حوضا سهلا وصحراء مفتوحة ومنطقة استراتيجية نقطة جذب لسياساتها وطموحاتها، ومجالا حيويا لممارسة نفوذها، وتصديرا لثورتها؟ ولماذا لم تتوجه إيران الصفوية باتجاه دول حوض القوقاز المستقلة حديثا بعد نهاية الاتحاد السوفياتي التي فيها مجتمعات شيعية وتتحدث الفارسية، ووجدت ضالتها في المنطقة العربية؟ ولماذا اعتبرت إيران الصفوية والفارسية المذهب الحنبلي والدعوة الوهابية خطرا عليها، وتعتبره خطرا عالميا، وحاولت جاهدة لتشويه صورة المملكة، وأسهمت في دعم وإسناد تنظيم القاعدة لتشويه صورة الدولة السنية، ودعمتهم في أحداث 11 سبتمبر 2001 لينصب جام الغضب الغربي والأوروبي والعالم على العالم الإسلامي السني، ودعمت وساندت الحركات الراديكالية في العالم العربي منذ قدوم الخميني، وبدأت إيران مرحلة العلاقات البحثية والعلاقات العامة مع الإدارات الأمريكية والإسرائيلية طارحة فكرتين مهمتين، هما ''انبعاث الشيعة وهو كتاب للباحث الإيراني ولي نصر المتجنس بالجنسية الأمريكية، وهو باحث معارض لكنه يلتقي مع نظام الحكم الإيراني في الفكرة الاستراتيجية للدولة الصفوية، وهي المحرك الرئيس للسياسة الإيرانية اليوم، والشخص الآخر الذي عمد إلى تقديم إيران لدى المخطط السياسي الأمريكي فهو فؤاد عجمي، لبناني من أصول فارسية، وقدم للإدارة الجمهورية وثيقتين تم تبنيهما، وهما ''الخيار الشيعي'' و''العراق هدية الأجنبي'' وعجمي بدأ بالتعليم في جامعة برنستون، وهي جامعة خاضعة لسيطرة صهيونيّة متعصّبة في ''دائرة الشرق الأوسط'' التي أسهم فيليب حتّى في تأسيسها، تسلّمها برنارد لويس بعد وصوله إلى أمريكا عام 1974، وعجمي مهتم بتقديم الشيعة في إطار عقدة الصراع الصفوي مع العالم العربي والإسلامي ولهذا راوحت اهتماماته بقضايا الشيعة (في كتابه: ''الإمام المختفي، موسى الصدر وشيعة لبنان'' الصادر عام 1986، إلى اهتمام يتوارى شيئا فشيئا خلف الأفكار السياسية البراقة في كتب: ''بيروت، مدينة الندم'' الصادر عام 1988، و''قصر أحلام العرب'' الصادر بعد عشر سنوات عام 1998، وهو الكتاب الذي وصف فيه فكرة القومية العربية والدعوة إلى الوحدة العربية بأنها مجرد دعوة للسيطرة السنية على المنطقة تتخفى في رداء علماني، كما كتب فيه إننا في عالم لا يتحقق فيه النصر بمراعاة مبادئ الرحمة أو الاعتدال، ويعتبر الأفكار الطائفية التي عبر عنها في كتابه الأخير ''هدية الأجنبي'' امتدادا للأفكار التي طرحها في هذا المؤلف، حيث يقرر أن شيعة العراق مستقلون عن إيران، ولم تؤثر فيهم السنوات الطويلة التي قضاها عدد كبير منهم في إيران إكراها أو اختيارا، وأنهم لن يثأروا من السنة الذين يرى أنهم ارتكبوا من قبل جرائم في حق الشيعة في ظل حكم حزب البعث، ونقل عجمي هذه التطمينات في كتابه عن المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني الذي استطاع أن يلتقي به على وجه الاستثناء بفضل انتمائه الشيعي، على الرغم من رفضه القاطع لقاء أي شخص يحمل الجنسية الأمريكية (نقلا من مجلة المجلة اللندنية).

ضمن هذه المعطيات وضمن هذا السياق نفهم جذور التعصب القومي الفارسي في العلاقة مع دول الخليج العربي ومع العالم السني، وهاجس الدعوة الوهابية التي يحاولون تشويهها والنفخ فيها لتصبح كيانا أيديولوجيًّا، وهي دعوة محدود الطابع تؤكد ضرورة نبذ الخزعبلات من الأفكار الطارئة على الإسلام، والعودة إلى الأصول وتحكيم الكتاب والسنة، في وقت ضعفت فيه الأمة الإسلامية وبرزت إلى السطح فرق إسلامية وفنون جديدة نخرت في الإسلام من داخله لإجهاضه وقتل روحيته وعنفوانه.

اللافت للانتباه أن هذا الهاجس مسيطر على النخب الدبلوماسية والاستخباراتية والدينية المقربة من الحرس الثوري الإيراني، أي من السلطة السياسية ومصالحها ومنافعها على نحو خاص، غير أنه ليس بالدرجة نفسها من الانضغاط لدى النخب الثقافية والدينية والسياسية المستقلة.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل ما زال التاريخ فاعلا في محطات الصراع الفارسي العثماني؟ وهل الخميني أراد أن يكون أتاتوركا جديدا وبزي جديد لإيران كنتاج جديد لهذا الصراع التاريخي؟ ولماذا استعدت إيران العرب؟ وهل ما زالت تنظر إليهم كرعاة وبدو، وهي تعيش مرارة الهزيمة التاريخية، وقد تجرعت السم في حربها على العراق؟ ولماذا أقصت إيران الصفوية، كل مراكز الاعتدال الثقافي والديني والسياسي في إيران؟ وهل ترى طهران نفسها وبنموذجها الثوري المعمم مجالا للتطبيق ومجالا للتصدير لمواجهة الإسلام السياسي والمدني التركي الذي يقوده حزب العدالة ويتزعمه رئيس الوزراء التركي أردوغان؟

هنا أستذكر كلمات محمد خاتمي بعد ترؤسه الجمهورية الإيرانية وتحديدا في 16/5/1996 وفي مكتبة الأسد في دمشق عندما قال كلاما تحتاج إليه إيران اليوم وتحتاج إليه دمشق أكثر مما مضى، فقد تحدث خاتمي بالعربية على نحو معاكس تماما للعصبية الفارسية، التي أكد فيها على الحوار والتسامح والابتعاد عن الفرقة والتعصب الأعمى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق