بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015

علي يونسي والصيد الإيراني في مياه التاريخ العكرة بقلم: عبدالجليل معالي

لن نعدم سبل إيجاد همزة الوصل بين سياسة الدولة الإيرانية وأيديولوجيتها. فالسياسة الإيرانية (بمعنى الممارسة) تمحض منذ الثورة الخمينية من أيديولوجيا (بمعنى الفكر) دينية طائفية مذهبية تستحيل في بعض مفاصلها شوفينية وشعوبية وإلغاء للآخر. فما ورد في تصريح علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات والقوميات، كان دليلا على أن ممارسات الدولة الإيرانية ليست “يتيمة” من المنطلقات الأيديولوجية، بل هي ممارسات وفية لما نهضت عليه الدولة الإيرانية منذ “ثورتها”.
صحيفة العرب - عبدالجليل معالي
في إطار إحياء ذكرى وفاة الإمام علي ابن موسى الرضا، يوم السبت 11 ديسمبر الجاري، ألقى علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات والشؤون الدينية، كلمة مثلت اختزالا للنظر الإيراني إلى كل قضايا المنطقة؛ الإرهاب والتطرف الديني، والعلاقات مع دول المنطقة العربية، كما سياسة الدولة الإيرانية مع الشعوب التي في كنفها.

علي يونسي اعتبر أن أغلب الأحداث السائدة في الشرق الأوسط ناتجة عن محاولة “العنصر العربي استعادة السيطرة على العالم الإسلامي”، وزعم أن تنظيم داعش ووجوده وإرهابه ينتمي إلى هذا الجنس من المحاولة، ولم يفت يونسي أن يعرج على التاريخ ليزعم أن “الإيرانيين بقتلهم للأمين العباسي (ابن الخليفة العباسي هارون الرشيد وشقيق المأمون) سحبوا السلطة من العرب إلى الأبد”، بل عدّ إيران “منطلق كل الثورات المعادية للظلم”. وعن الإمام علي ابن موسى الرضا قال يونسي إنه لولاه “لما بقي اسم لإيران أو للإسلام”.
مفارقات كثيرة تخللت كلمة علي يونسي (المسؤول في الدولة الإيرانية عن الأقليات والشؤون الدينية)، فعودته إلى تاريخ الدولة العباسية، والخلاف الذي جد بين الأمين والمأمون الذي انتهى بمقتل الأمين عام 198 هجري، تشي بأن مسؤول الدولة الإيرانية كان ماضويا وقارئا انتقائيا للتاريخ، ولم يشذ في ذلك عن القراءة الإيرانية للتاريخ الإسلامي منذ لحظة كربلاء وما بعدها. علي يونسي وباستحضاره لمقتل الأمين ابن هارون الرشيد، كان استعادة للفضل بن سهل وزير المأمون، فارسي الأصل والذي كان العقل المدبر لكل الانزياح الذي عرفه صراع الأخوين من تنافس على ولاية العهد إلى صراع بين “حزبين” فارسي وعربي في فضاء الدولة العباسية.

المهم في كلام يونسي، المشار إليه، هو أنه اعتبر أن ذلك الحدث البعيد كان قضاء على سلطة العرب في المنطقة، ومنه قفز إلى أن “داعش” (بكل العوامل المتضافرة والمتداخلة المتسببة في نشوئه) هو محاولة عربية لاستعادة السلطة، وأن “تحرك داعش جاء تلبية لنزعة العرب الرامية إلى التحكم في العالم الإسلامي والتخلص من شعورهم بالدونية تجاه الفرس والأتراك”.
لقد استخلصت الثورة في إيران من التراث العربي الإسلامي مادة غزيرة لتوظيف "مظلومية" في تكريس العنصرية تجاه العرب بالعودة إلى ما أشرنا إليه أعلاه من الصلة بين الممارسات الإيرانية والأيديولوجيا التي تقف عليها الدولة، فإنه من اليسير فهم الممارسات الإيرانية، أو حتى توقع مواقفها من أي حدث، بمجرد العودة إلى الأدبيات الدينية والمذهبية والعنصرية التي تقف عليها إيران منذ لحظة 1 فبراير 1979 (عندما حطت الطائرة الفرنسية المقلة للخميني في مطار طهران).

لقد استخلصت الثورة الإسلامية في إيران من التراث العربي الإسلامي، مادة غزيرة لتوظيف “مظلومية” شيعية بدأت منذ كربلاء ولم تنته بعد، ووظفتها في تكريس ضرب من العنصرية تجاه العرب والتي لم تقلل من منسوبها التطورات التاريخية ولا صلات الدين والجوار، بل تحولت هذه العنصرية إلى شوفينية (تمظهرت تارة في استعلاء وشعوبية إيرانيين وطورا في استعمار إيران لأجزاء من الوطن العربي ودائما في محاولات حثيثة لـ“تصدير الثورة” عبر دعم الأحزاب والتيارات الإسلامية الشيعية في العالم العربي ولم تنس الجماعات الإخوانية من بعض فتات دعمها عند الحاجة إليها).

اعتداء علي يونسي على التاريخ لم يقتصر على توظيفه لتاريخ الدولة العباسية بل عدّ الإمام الثامن في المذهب الشيعي علي ابن موسى الرضا، الذي توفي في العام 203 هـ، الضامن لبقاء اسم إيران والإسلام، وهو بذلك يتناسى عمدا أن علي الرضا المولود في المدينة المنورة اشتهر في التراث العربي الإسلامي بـ”غريب الغرباء” لأنه دُفن في طوس بعيدا عن أرضه وأصوله العربية.
من مقتل الأمين العباسي، إلى الإمام الرضا، وصولا إلى داعش، كان علي يونسي “إيرانيا” بكل ما في الكلمة من وفاء لدولة دينية مذهبية عنصرية. ومفيد التذكير بأن علي يونسي، نفسه، كان صرح في مارس الماضي، بأن “إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”، وأثار تصريحه جدلا كبيرا ما اضطر النظام الإيراني إلى نفيه أو اعتباره “حُرفَ وأسيء فهمه” (كما ورد على لسان السفير الإيراني في بيروت).
من مقتل الأمين العباسي إلى الإمام الرضا إلى داعش كان علي يونسي "إيرانيا" بكل ما في الكلمة من وفاء لدولة عنصرية الدولة الإيرانية التي تزعم ديمقراطية لا تضاهى، لا يخفى تنكيلها بالشعوب التي تعيش في إطارها، وهو ما يعني صراحة علوية العنصر الفارسي في الممارسات التي يصر النظام على أنها معزولة أو أنها من قبيل الشاذ، لكن تصريح علي يونسي بين أنها عنصرية قادمة من التاريخ، ولعل التهم التي كالها لسكان محافظة أذربيجان ونعتهم بالعملاء لمجرد أنهم رفعوا شعار “الخليج العربي” أثناء مباريات كرة القدم، تخفي العقلية الرسمية الإيرانية، حيث قال يونسي “هؤلاء ليسوا إيرانيين ولا أذريين وينبغي علينا أن نضع حدا لمثل هذه التصرفات”. وهو تصريح يتخذ خطورة أكبر حين يصدر من مسؤول عن “القوميات والأقليات”.

تناسى علي يونسي، ومن وراءه الدولة الإيرانية برمتها، أن تنظيم داعش ورم نبع من القراءة التوظيفية السياسية للإسلام، ومن كتب الفقه الإسلامي، السنية كما الشيعية، وتناسى أن عوامل عديدة أدت إلى نشوئه ومنها الامتعاض العربي الإسلامي من الممارسات الإيرانية، وتنظيماتها وميليشياتها وأحزابها، في المنطقة، وهذا العامل لا يلغي العوامل الأخرى كما لا يعفي الأمة العربية الإسلامية من مسؤولية ولادة هذا التنظيم.

ما تلفظ به الأخير كان دليلا على أن الدولة الدينية هي بالضرورة دولة طائفية عنصرية وإن ادعت براءة من ذلك. دولة إيران تقوم على منطلقات دينية وهي لا تنفي ذلك، لكنها لم تتوصل بعد، ولن تفعل، إلى مغادرة التاريخ بمعنى أنها «دولة» بروح ماضوية تقرأ الأحداث الراهنة بتاريخ تنتقي منه ما يفيد أيديولوجيتها العنصرية الاستعمارية.

“حجة الإسلام” علي يونسي قدم الحجة على أن معضلة إيران أبعد من خلاف مذاهب، والدليل على ذلك وجود الآلاف من الشيعة العرب المختلفين من إيران ومع مبدأ ولاية الفقيه، (محمد علي الحسيني الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان اعتبر أن ولاية الفقيه في المذهب الشيعي والتي تفتقد إلى أي سند فقهي معتبر، تشبه نظرية الحاکمية لله عند جماعة الإخوان المسلمين في المذهب السني). معضلة إيران، وعلي يونسي، أنها تعتاش على المظلومية الشيعية وتوظف الثارات القديمة وتستغل المذهب والطائفية لتنتج منهما مذهبية وطائفية.

عبدالجليل معالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق