بحث في هذا الموقع ابــو حـــــمــزه الأحـــــــــــواز​ي

الأربعاء، 8 يناير 2014

سياسة التعطيش واغتيال الأنهار الأحوازية بقلم: عبّاس الكعبي

الدولة الفارسيّة شيدت أربعين سدّا لتنقل مياهها إلى مناطقها، فجفّفت العديد منها
ولوّثت ما تبقّى ضمن جريمة إبادة جماعيّة ضد عرب الأحواز.
نظّم الشعب الأحوازي مؤخرا حَملة لتشكيل أحزمة بشريّة امتدت لعدة كيلومترات دفاعاً عن نهر «كارون» وحماية ما تبقّى من مياهه وإنقاذه من الاندثار، فجمَع المحتجون عشرات آلاف التوقيعات من المحتشدين، واتسعت رقعة المحتجين ضمن الحزام البشري الخامس بتاريخ 19 ديسمبر 2013.
وشهد نهر كارون على حضارة «عيلام» المنسوبة إلى «عيلام ابن سام ابن نوح» منذ نشأتها قبل أكثر من خمسة آلاف سنة على ضفافه لتتخذ من مدينة «السوس» عاصمة لها.. تلك الحضارة التي زاحمت الحضارة «السومريّة» المعجزة وفقاً للمؤرّخين، لتشعّ «سومر» و«عيلام» وشقيقاتها الأخريات من الحضارات الساميّة كـ«بابل» و«آشور» و«كلدة» و«أكد» على الشعوب المجاورة والبعيدة بنورها.
وشهَد «كارون» أيضا على عدّة وقائع حاسمة غيّرت مجرى التاريخ كالغزو الإغريقي والفتوحات الإسلاميّة واستشهاد الصحابي الجليل «البراء ابن مالك» على أسوار مدينة «تستر» العائمة على هذا النهر.
و«قارون» و«دُجَيْل الأحواز»، جميعها أسماء لنهر «كارون» البالغ طوله نحو 950 كيلومتراً، حيث يبدأ من جبال «زاجروس» وينتهي بـ«شط العرب» في «الخليج العربي»، فهو النهر الذي كان شاهدا على العديد من الثورات والانتفاضات الأحوازيّة وما رافقها من مجازر فارسيّة ارتكبت بحق الثوّار والمنتفضين، مثلما احتضن جثث شهداء «انتفاضة الإرادة» الأحوازية عام 2005، بعد أن كبّل الاحتلال الأجنبي الفارسي الإيراني أياديهم وأقدامهم فألقى بجثثهم في «كارون» ضمن سلسلة من أبشع الجرائم الإيرانيّة ضد شعب الأحواز، تماما مثلما شَهَدَ «دجلة» و«الفرات» ونهر «العاصي» بـ«حماه» على جرائم مماثلة في السنوات الأخيرة، لتعلن جميع هذه الأنهار أنّ الفاعل واحد.
وشيّدت إيران أربعين سدّا على روافد نهر «كارون» وعددا من الأنهر الأخرى مثل «الكرخة»، «الجرّاحي»، «شاوور»، «الدِزْ» وغيرها لتنقل مياهها إلى المناطق الفارسيّة كـ«أصفهان» و«قُم»، فأصبحت غالبيّة الأنهار الأحوازيّة في عداد الموتى، أمّا «كارون»، فلم يبق من مياهه سوى 20 بالمئـة فقط، وتصبّ فيه مليارا متر مكعب من الميـاه الملوّثـة سنـويّاً وخمسـون مليـون متر مكعـب من نفـايـات مصانع الصلب والحديد والبتروكيميائيّات ومشروع قصب السكّـر الاستيطاني الفارسي في الأحواز المحتلة.
وفي حين يُعـد نهـر «كارون» المصدر الوحيد لتأمين مياه الشرب للعديـد من الـمدن الأحوازيّـة، كمدينة «الأحواز العاصمة» و«تستر» و«السوس» و«دور خوَيـِّنْ» و«المحمّرة» وعدد كبير من البلـدات والقـرى الأحـوازيـّة، إلا أنّ مياهه لم تعـد صالحة للشرب لظهـور أنـواع من الجـراثيـم والسمــوم المتأتيـة من النفـايات والمعـادن كالرصاص والسيانـور، كما أن عمليّة سرقـة مياه «كارون» أدّت إلى تدمير مئات آلاف الهكتارات من أجـود الأراضـي الزراعيّـة لقطـع المياه عنها وتهجير سكّانها قسراً، ضمـن جريمة اِضطهاد اِقتصادي ممنهجة نفذّتها الدولة الإيرانيّة ضد الأحواز أرضاً وشعباً.
 ولم تسلم الأهـوار ولا الأخوار من عمليّـة التجفيف إثر سرقة مياه «كارون»، أمّا غــابـات النخيل التي تشكّـل امتدادا لغابات نخيل سهـل وادي الـرافديـن لاحتلالهـا المكانـة الأولى عالميـا، فـهـي الأخـرى لـم تبـق منها إلاّ الجـذوع اليابسـة، إذ ظلـّت واقفـة لتـشهـد هـي الأخرى على جريمة المتسبّب في عطشها.
وبفضل مياه نهر «كارون» المسروقة، أنجزت الدولة الفارسيّة أكبر بحيرة اِصطناعيّة في الشرق الأوسط -على حدّ قولها- بالقرب من مدينة «قُم» لتنقل إليها ثلاثمئـة مليون متر مكعب من مياه «كارون»، رغم أن القانون الدولي يؤكّد ضرورة الحصول على موافقة أصحاب الأرض الأصليين لنقل مياههم وبقيّة ثرواتهـم إلى مناطق أخرى، لذلك جَمَع المحتجّون الأحوازيّون عشرات آلاف التواقيع من المواطنين المناهضين لسرقة مياه أنهارهم، وفي مقدّمتها «كارون» الذي يُعد النهر الوحيد القابل للملاحة في المساحة الممتدّة من بلاد «السنــد» حتى بلاد «الرافدين».
و«كارون» الذي يتعرّض اليوم إلى التجفيف والحد من العطاء، كان على مرّ العصور بمثابة المنهل العامر للتجّار ولكل مار، حتى أضحى جزءا هاما من بيئة الأحواز وثقافة شعبها، فكتب عنه الأدباء وتغنّى به الشعراء، فهناك من وَصَفه بالمحطة الأخيرة التي وقفت فيها الشمس، وَوَصَفَه الآخر برمز العظمة والعزّة والصمود على مرّ الدهور والعهود، فنَعَته برمز الأحواز لإثبات الهويّة والوجود.
إلا أنّ هذا الرمز، يتعرّض اليوم إلى أخطر محاولة اِغتيال، لإرغام أصحابه على الهجرة قسراً مثلما أفرغ من كائناته الحيّة بعد نفوقها.
نقلا عن ((صحيفة العرب اللندنية))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق