لطالما ردد أناس عاديون و حتى طلبة جامعيون هذا السؤال على مسامعي : ما هي الأحواز؟ فكلما
ذكرتها في حديثي ، أو أتيت على النطق بإسمها ، ألمح لديهم نظرة استغراب
لعدم معرفتهم لها ، وعدم سماعهم باسمها من قبل. يعود هذا الجهل للقضية
الأحوازية أو تجاهلها لأسباب عديدة ، إذ يرجع تارة إلى الطمس الثقافي و
القومي الذي يمارسه المحتل الفارسي ضد هذا الإقليم و العرب القاطنين فيه،
وتارة للتجاهل الإعلامي العربي و الدولي لهذا الجزء من الوطن العربي ،
وتارة للظروف الإقليمية والعربية التي كانت تشغل الساحة العربية بقضايا
أخرى على حساب قضية الأحواز العربية المهمة ، و المشكل أن هذا التجاهل
والإغفال ليس فقط على المستوى الرسمي و لكنه أيضا على المستوى الشعبي
العربي مما يجعل شعبنا العربي بالأحواز إضافة إلى معاناته مع الإحتلال ،
يعاني من العزلة و التغريب القومي .
وإذ يصادف اليوم 20/04/2012 ، ذكرى إحتلال الأحواز العربية من
طرف إيران ، فإنني أستغل هذه الفرصة ، لأعرف بالقضية العربية الأحوازية ،
وألقي الضوء على أهم جوانبها ، وأهم الأحداث التي شهدتها عربستان منذ
إحتلالها إلى يومنا هذا.
الأحواز العربية أو عربستان ، والتي يطلق عليها الإيرانيون
إسم “خوزستان” (أي بلاد القلاع و الحصون) ، هي جزء لا يتجزء من الوطن
العربي، إذ تشكل القسم الشمالي الشرقي من الوطن العربي حيث تتموقع جغرافيا
في الجنوب الشرقي من العراق ، وتمتد على طول الساحل الشرقي للخليج العربي ،
من شمال شط العرب شمالا ، إلى مضيق هرمز جنوبا ، فيما تفصل بينها وبين
بلاد فارس ، سلسلة جبال زاغروس.
تبلغ مساحة الأحواز العربية حسب أدق الدراسات، 348 ألف كم مربع ، ويبلغ عدد سكانها العرب أكثر من عشرة مليون نسمة .
و تعتبر الأحواز العربية من أخصب الأراضي في المنطقة ، وتمثل
أهمية إستراتيجية بالغة من النواحي، الجغرافية ، السياسية ، الإقتصادية
والتجارية ، وامتدادها على الساحل الشمالي و الشرقي للخليج العربي جعل منها
واجهة بحرية بامتياز عبر موانئها ومنافذها البحرية ، ومما زاد الأحواز
العربية أهمية بالغة إضافية ، هو ظهور النفط فيها منذ عام 1908 م ، والذي
كان سببا من بين أسباب احتلالها.
بدأت قصة معاناة الأحواز العربية في العشرين من نيسان عام
1925 ، عندما قامت إيران بتحالف مع القوى الإستعمارية البريطانية بحياكة
مكيدة لأمير الأحواز آنذاك “الشيخ خزعل الكعبي” ، حيث تم استدراجه ومن ثم
اعتقاله هو ومرافقيه ، واقتيد بعدها إلى سجن في طهران ، ظل فيه حتى سنة
1936 حيث ثم إغتياله هناك .
وفي نفس الوقت قامت القوات الإيرانية بقيادة “رضا خان بهلوي”
، وبمساعدة بريطانية ، بشن هجومها العسكري على الأحواز العربية ومن ثم
احتلالها.
ويمكن تلخيص الأسباب التي ساهمت في احتلال الأحواز العربية فيما يلي :
- وصول “رضا خان بهلوي” إلى السلطة في بلاد فارس ، وهو الذي يمثل العنصرية الفارسية المعادية للقومية العربية ، إذ ومنذ توليه الحكم، عمل على محو كل أثر للعروبة و الحضارة العربية في أرض الأحواز ، كما سعى إلى فصل الروابط التي تصل الشعب العربي الأحوازي بأمته العربية.
- ضعف البنية الداخلية للمجتمع الأحوازي ، نتيجة لما أصابه من فقر و مرض وجهل وانعدام للوعي السياسي والإجتماعي في زمن الإمارة الكعبية.
- موقع الأحواز العربية الإستراتيجي وغناها بالثروات الطبيعية ، بالإضافة إلى اكتشاف النفط فيها سنة 1908 .
- اشتداد الصراع على المصالح في منطقة الخليج العربي بين روسيا و الغرب ، خاصة بعد وصول الشيوعيين إلى السلطة بقيادة لينين عام 1917 .
- دعم القوى الإستعمارية البريطانية للإحتلال الفارسي للأحواز العربية ، يقابله موقف متفرج للحكام العرب ، مما اعتبر مساهمة غير مباشرة في النكبة الأحوازية.
ومنذ اليوم الأول لإحتلال الأحواز العربية (عربستان) ، قام
الإحتلال الفارسي بمجموعة من الحملات والإجراءات التعسفية التي كان الهدف
منها هو طمس الهوية العربية للأحواز و إنهاء ارتباطها الثقافي و التاريخي
بعروبتها وربطها بالتاريخ الفارسي ، فقامت السلطات الفارسية بتدمير المدن و
القرى العربية بالأحواز ، وتغيير أسمائها (أي المدن العربية) إلى أسماء
فارسية ، فعاصمة الأحواز العربية التاريخية “المحمرة” تم تغيير إسمها إلى
“خورمشهر” ، و مدينة “عابدان” إلى “آبدان” ، حتى أسماء الشوارع و الأسماء
الشخصية للأسر العربية الأحوازية لم تنجوا من سياسة التفريس ، هذه الأخيرة
التي طالت حتى التعليم ، حيث تم منع تدريس اللغة العربية بالمدارس ، وفرض
مكانها التعليم باللغة الفارسية ،كما تمت مصادرة الكتب العربية ومنع حملها
أو قراءتها .
وفي إطار سياسة التفريس أيضا ، يمنع على الشعب العربي
الأحوازي ارتداء الزي العربي ، أو وضع الكوفية التي ثمتل الثورة العربية ،
كما يمنع التكلم باللغة العربية في الأماكن الرسمية والإدارات العمومية ،
سعيا من المحتل الفارسي إلى محو كل مظهر من مظاهر عروبة الأحواز .
أكثر من ذلك ، فقد قام المحتل الفارسي باقتطاع أراضي من
الأحواز العربية وضمها إلى مدن إيرانية مجاورة ، كما عمل على تهجير الأسر
العربية المقيمة في عربستان إلى مناطق الشمال الإيراني لإحلا ل الأسر
الفارسية مكانها ، وقد قام سنة 2009 ببناء جدار فاصل بين حي بالأحواز
العربية اسمه “حي الثورة ” وبين حي فارسي ، تكريسا منه للعنصرية الفارسية
في عدم مخالطة العرب .
كما نهج سياسة التجويع للشباب العربي الأحوازي لإنعدام فرص
الشغل، مما يدفعهم إلى الهجرة إما إلى الداخل الإيراني أو إلى خارج البلاد
، وذلك بغية إبعادهم عن وطنهم وإنتمائهم و بالتالي فقدهم لهويتهم العربية .
هذا و لا ننسى استخدام قوات الإحتلال الفارسي أبشع أساليب
القمع و الإضظهاد بحق السكان العرب بالأحواز العربية ، وذلك عبر التجويع ، و
التشريد و الإعتقالات التعسفية ، و الملاحقة و القتل ، و بإعدام الشباب
العربي الأحوازي بدون أي محاكمة ، من أجل إرهاب باقي الأهالي .
وتقوم إيران باستغلال الموارد و الثروات الطبيعية للأحواز العربية ، إذ تشير آخر الإحصائيات إلى الآتي :
- يمثل النفط في الأحواز العربية حوالي 87% من النفط الإيراني المعتمد ،
- يمثل الغاز المستخرج من الأراضي العربية الأحوازية نسبة 90% من مجمل الغاز الإيراني ،
- يتم إنتاج 74% من الطاقة الكهربائية الإيرانية من المصادر الطبيعية الأحوازية ،
- علما أن الأحواز العربية تشتهر بوفرة مياهها ، إذ تمر منها 5 أنهار ، أهمها : نهر الكارون و نهر الكرخة ، فإن مياهها تمثل نصف المخزون المائي الإيراني ،
- ونظرا لخصوبة الأراضي العربية الأحوازية ، فإن إنتاجها من القمح يمثل حوالي النصف من مجمل الإنتاج الإيراني ،
- يمثل إنتاج عربستان من الحبوب حوالي 40% من الإنتاج الإيراني ،
- ويمثل إنتاجها من الثمور نسبة 85 % من الإنتاج الإيراني. تنتجها أكثر من أربعة عشر مليون نخلة عربية أحوازية .
ومنذ اليوم الأول للإحتلال ، قامت الثورات الأحوازية في
مواجهة المحتل الفارسي ، حيث شهدت (عربستان) أكثر من خمس عشرة انتفاضة و
ثورة شعبية ،ندكر من أهمها :
- انتفاضة عام 1979 التي قام بها الشعب العربي الأحوازي ليقاوم محاولة السلطات الفارسية إغلاق المراكز السياسية و الثقافية العربية في عربستان ، حيث شهدت هذه الأخيرة إثر ذلك مجموعة من الإعدامات العشوائية في حق العرب الأحوازيين ،
- وفي سنة 1985 ، تجددت الثورة الأحوازية ، حيث قامت إنتفاضة شعبية عارمة في كل انحاء عربستان ، احتجاجا على مقال نشر في صحيفة إيرانية وجه إهانات للعرب في الأحواز بشكل خاص وللأمة العربية بشكل عام ، وقد جاءت هذه الإنتفاضة في ظل الحرب العراقية-الإيرانية و التي كان لها طابع قومي عربي.
- ثم اندلعت عام 1994 مواجهات دامية بين قوات الأمن الفارسية و بين العرب الذين صودرت أراضيهم في إطار مشروع قصب السكر ، والتي قتل وجرح فيها العشرات من أصحاب الأراضي ،
- ومع مطلع سنة 2000 ، انتفض أهالي عبادان ، واندلعت مواجهات دامية بينهم وبين قوات الإحتلال الفارسي ، احتجاجا على ثلوت مياه الشرب ، هذه المواجهات خلفت عددا كبيرا من القتلى و الجرحى ،
- وفي عام 2003 ، وقعت مصادمات عنيفة بين قوات الأمن الفارسي والعرب في الأحواز، بعد مداهمات قامت بها قوات الشرطة الإيرانية ، ودخول بعض البيوت و مصادرة “أطباق الستالايت” ، إذ أصبح الشعب العربي الأحوازي ينفتح و يتواصل إعلاميا مع العالم الخارجي الذي بدأ شيئا فشيئا يتعرف على قضيته ،
- وكانت اخر الثورات التي شهدتها الأحواز العربية هي الإنتفاضة المجيدة التي اندلعت في الخامس عشر من شهر نيسان لسنة 2005 ، على إثر تسرب وثيقة تنص على ضرورة تفريس ثلثي سكان عربستان ونوزيعهم على مختلف المناطق الإيرانية .
هذا ولاتزال الأحواز العربية تعيش حالة استنفار دفاعا عن
وجودها وهويتها العربية و عن استقلالها و حريتها من الإحتلال الفارسي
الغاشم .
وقد حان الوقت لتأخذ قضية عربستان مكانتها داخل الأجندة
العربية الرسمية ، كما آن الآوان للشعب العربي أن يتعرف على أشقائه في
الأحواز العربية و يطلع على معاناتهم ، و يدافع عن قضيتهم التي هي قضية
العرب كلهم ، إذ لا يعقل أن يظل جزء من الوطن العربي محتلا منذ ما يزيد عن
87 سنة و منا من يجهل حتى موقعه الجغرافي !!
وفي الأخير يجب التأكيد على أن تاريخ الأحواز العربية
السياسي و الإجتماعي حافل برفض الإستسلام أو الخضوع أو الإعتراف بالحكم
الفارسي عليه ، لإدراك العرب الأحوازيين حقهم التاريخي و الثقافي و القومي
في عروبتهم وانتمائهم للأمة العربية وأن عربستان جزء لا يتجزء من الوطن
العربي ، ولعل أقل واجب علينا اتجاه قضيتنا العربية الأحوازية هو إخراجها
من غياهب النسيان و التجاهل ، و التعريف بها والدفاع عنها ، فهي أبدا لا
تقل أهمية عن باقي قضايا الأمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق